جرى مجراه، فإن اتّفق له مجيب عارف ممارس جدل سلّم إليه الدّاعى وعظّمه وكرّمه وحشمه وصوّب قوله، وداخله بما يحب من علم شريعته التى يومى إليها، وكل ذلك ليقطع كلامه لئلا يتبيّن ما هو عليه من الحيلة والمكر، وما يدخل به على الناس من أمر الدعوة، وإن اتّفق مغرور مغفّل غليظ الحواسّ ألقى إليه ما يشغل به قلبه، مثل قوله: إنّ الدين لمكتوم وإنّ الأكثر له لمنكرون وبه جاهلون، ولو علمت هذه الأمّة ما خصّ الله به الأئمة من العلم لم تختلف، ويوهم من سمع كلامه أنّ عنده علوما خفيّة لم تصل إليهم، فتطلع نفس المستمع إلى معرفة بيان ما قال، وربما وصل أمره مع من يجالسه- واحدا كان أو جماعة- بشىء من معانى القرآن، وذكر شرائع الدين وتأويل الآيات وتنزيلها وكلام لا يشك المسلم العارف في حقيقته، ويوهم المستمعين منه أنّه قد ظفر بعلم، لو صادف له مستمعا لكان ناجيا منتفعا، وقرّر عندهم أنّ الآفة التى نزلت بالأمة وحيّرت في الديانة وشتّتت الكلمة وأورثت الأهواء المضلّة ذهاب الناس عن أئمة نصبوا لهم، وأقيموا حافظين لشرائعهم يؤدونها على حقائقها، ويحفظون عليهم معانيها وبواطنها، وأنّهم لما عدلوا عنهم ونظروا من تلقاء عقولهم، واتباعهم لمّا حسن في رأيهم وسمعوه من أسلافهم وغلاتهم «١» - اتباع الملوك في طلب الدنيا- وحاملى الغنى ومسمعى الإثم وأجناد الظلمة وأعوان الفسقة الطالبين العاجلة، والمجتهدين في الرياسة على الضعفاء، ومن يكايد رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أمته وغيّر كتابه وبدّل سنّته، وقتل عترته