أهل الإلحاد ممّن يدين بقدم أعيان الجواهر، ويصير ما قدم من ذكر الحدث والأصول رموز إلى معانى المبادى، وتقلّب الجواهر وحدوث الأمور التى يكون لها على أحوال وأحكام، وعلى نحو تنزيل كثير منهم لحال العقل من حال النفس وحال الفلك من حال العقل، وحال الطبائع والأعراض من حال النفس والعقل، وحال المنقلب بالكون والفساد وما يكون من حال الهيولى بتقلّب الأعراض المختلفة «١» وترتيب العناصر، والقول في العلّة: هل تفارق المعلول أم لا؟ وإقرار بعضهم بصانع لم تزل معه العناصر والمبادىء أوّلا، وما هى تلك الأمور وكيف حدودها، وما يصحّ من صفاتها والأسباب التى تعلم بها، فربّما صار البالغ في النظر في هذا إلى اعتقاد مذهب مانى وابن ديصان، وربما صار إلى مذهب المجوس، وربما دان بما يحكى عن أرسطاطاليس، وربما صار إلى أمور تحكى عن أفلاطون «٢» ، وربما اختار من تلك معانى مركبة من هذه الأمور، كما يجرى كثير من هؤلاء المتحيّرين.
قال: وجميع ما وصفنا من التدريج بالمقدّمات إنما يحصل الانسلاخ من شرائع أهل الكتب والنبوّة فقط، وجميعها يصلح أن تجعل تمهيدا ورموزا إلى جميع هذه المذاهب التى ذكرناها، وتجتذب بألفاظها إليها بالتأويل بحسب ما يريد المعتقد، لما شاء منها ممّا سنبيّن ذلك إن شاء الله تعالى.
قال: وأمّا سلخه من جميع ما تقدم «٣» عليه من أمر الإمامة والنبوّة