قال: ثم اعلم- رحمك الله- أنّ هذا الترتيب والتخريج والتنزيل إنّما كانت الدعاة [عليه] عند اجتماعها على مبتدأ الدعوة، والانعقاد على طلب الغوائل للمسلمين، فيها اتفقوا على جملة منها وأصولها، وفتحوا بالفكر طريقها، ومهّدوه على معنى ما ذكرناه، وتفرّقوا في البلدان، وتمهيدهم بحسب أفكارهم واجتهادهم في الحيلة على المستمع، وتميّزوا في ذلك وتمكّنوا منه في طول الأيّام، سيّما مذ قويت أحوال الجنّابى على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى في أخباره.
قال: فقد بيّنا خبر هذه الدعوة وكيف جرى أمرها، وكيف يسلك بالمخدوع كل مسلك، حتى يصير إلى التعطيل والإباحة، فهذا أصل هذه الدعوة الملعونة وما أسّست عليه قديما، ثم تغيّرت وتفرّعت منذ انتشرت ببلاد المغرب ومصر والشام، وجعلوا منها طرقا وأبوابا، فمنها علم القوت «١» وعلم الكفاف وبلاغات مفصّلة، وبطل الترتيب الأول الذى وصفنا: من أنّ الدعوة كانت إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر، فصار موضعه من يكون من ولد عبيد الله بن ميمون القدّاح، الذين ملكوا المغرب ومصر والشام، على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى في أخبارهم، ولنصل هذا الفصل بذكر العهد الذى يحلفون به.