السلاح واتخاذ الإبل وإصلاح الرجال ونسج الدروع والمغافر ونظم الجواشن وضرب السيوف والأسنّة واتخاذ الروايا والمزاد والقرب وتعليم الصبيان الفروسية، وطرد الأعراب عن قربه وسدّ الوجوه التى يتعرّف منها أمر بلده وأحواله بالرجال واصلاح أراضى المزارع وأصول النخل وعمارته، واصلاح مثل هذه الأمور وتفقدها، ونصب الأمناء على ذلك، وإقامة العرفاء على الرجال، والاحتياط على ذلك كلّه، حتى بلغ من تفقّده واحتياطه أنّ الشاة كانت تذبح فيسلّم اللحم إلى العرفاء، ليفرّقوه على من يرسم لهم، ويدفع الرأس والأكارع والبطن إلى العبيد والإماء، ويجزّ الصوف والشعر من الغنم ويفرّقه على من يغزله، ثم يدفع إلى من ينسجه عبيّا وأكسبة وغرائر وجوالقات ويفتل منه حبال، ويسلّم الجلد إلى الدبّاغ، فإذا خرج من الدبّاغ سلّم إلى خرّازى القرب والروايا والمزاد، وما كان من الجلود يصلح نعالا وخفافا عمل منه، ثم يجمع ذلك كلّه إلى خزائن، فكان ذلك دأبه لا يغفل عنه، ويوجّه في كلّ مديدة بخيل إلى ناحية البصرة، فتأخذ من وجدت فتصير بهم إليه فيستعبدهم، فزادت بلاده وعظمت هيبته فى صدور الناس.
قال الشريف أبو الحسين: وقد كان واقع بنى ضبّة عند طرده لهم عن قرب بلده، فأصاب منهم وأصابوا منه، ولم يتب عدوا عنه بعيدا، فلما شخص مع العبّاس بن عمرو منهم من شخص- فى وقت مسيره لقتاله- ازداد بذلك حنقا عليهم، فواقعهم وقائع مشهورة بالشدّة والعظم، ثم ظفر بهم فأخذ منهم خلقا، وبنى لهم حبسا عظيما وجمعهم فيه وسدّه عليهم، ومنعهم الطعام والشراب فصاحوا وضجّوا