فتشاوروا، فلم يدع الأمير أبو الهيجاء الاستعاثة بالقوم يقول: ارجعوا ودعونى ألقى القرامطة في أصحابى، فإن أصبت فمعكم من تسيرون معه، وإلا فامضوا إلى وادى القرى أو المدينة أو غير ذلك، وإن ظفرت وجّهت إليكم فعدتم وقد زال المحذور، ولم يزل يردّد عليهم هذا القول من الأجفر إلى الثعلبيّة، فمنهم من أجاب ومنهم من أبى ذلك وقال:
لانفترق، وكان أحمد بن بدر عم السيّدة ممن أبى ذلك وصمّم على الملازمة، فعمل ابن حمدان بما أرادوه دون رأية، وبات الناس على أميال بقيت من البطان والأحمال على ظهور الجمال، وذلك ليلة الأحد لأيام خلت من صفر، فلما أضاء لهم الفجر ارتحلوا، وقدّم أبو الهيجاء ستمائة راجل من الأولياء، كان السلطان أبعدهم لكثرة شغبهم ببغداد فكانوا بين يدى القوافل، وقارب بين القطر ودخل بعض الناس في بعض، وتقدّم نزار بن محمد الضبىّ فكان في أوّل القاملة في أصحابه خلف الرجّالة، وسار أبو الهيجاء في التغالبة والعجم في ميمنة القافلة، وألزم الساقة وميسرة القافلة جماعة من الأولياء مع بعض الأمراء، واحتاط بكل ما أمكن، وسار فلما أضحى النهار أقبلت عليهم خيل القرامطة، والقافلة في نهاية العظم جدا، فكان أوّل من لقيهم رجّالة أبى الهيجاء، فحملت القرامطة عليهم فخالطوهم فقتلوا جميعا إلا نحوا من عشرين رجلا، وحمل نزار في جيشه فضارب بعض خيل القرامطة بالسيوف ساعة، فلحقته ضربة فهوى إلى الأرض واعتنق فرسه، ومضى نحو المشرق وتبعه بقيّة أصحابه، فاستقاموا حتى وصلوا إلى زبالة وساروا إلى الكوفة، فلما سمع الأمير أبو الهيجاء الصوت وعرف الخبر وكان في آخر القافلة أسرع في خيله نحو أوّل