فقالت العجوز: يا خوند «١» ، ما جاءت إلى خدمتك إلا حتى تحظى بك الليلة! قال: فلما سمعت كلامها، وقّع الله فى قلبى تغيّر الزمان، وأن يملك خلاط غيرى، وتحتاج بنتى إلى أن تقعد مثل هذه القعدة بين يديه:
فقلت: يا عجوز، معاذ الله! والله ما هو من شيمتى، ولا خلوت بغير محارمى، فخذيها وانصرفى، وهى العزيزة الكريمة! ومهما كان لها من الحوائج تنفّذ إلى هذا الخادم. فقامت، وهى تبكى، وتقول- بالأرمنية:
صان الله عاقبتك، كما صنتنى. قال: فلما خرجت، أفتتنى نفسى، وقالت: ففى الحلال مندوحة عن الحرام، تزوّجها. فقلت: يا نفسا خبيثة، فأين الحيا والكرم والمرؤة! والله لا فعلته أبدا.
ومما حكاه أبو المظفر- أيضا- قال: كنت عنده بخلاط، فقدم النظّام بن أبى الحديد، ومعه نعل النبى صلى الله عليه وسلم. فأخبرته بقدومه، فأذن بحضوره. فلما جاء، ومعه النعل، قام ونزل من الإيوان، وأخذ النعل فقبّله، ووضعه على عينيه، وبكى! وخلع على النظّام وأعطاه نفقة، وأجرى عليه جراية، وقال يكون فى الصّحبة نتبرك به.
ثم عزم على أخذ قطعة من النعل تكون عنده. قال بعد ذلك: فلما عزمت على ذلك بتّ مفكرا، وقلت: إن فعلت هذا فعل غيرى مثله، فيتسلسل الحال ويؤدى إلى استئصاله. فرجعت عن هذا الخاطر. وتركته لله، وقلت: من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه. ثم أقام النظّام عندى شهورا ومرض، وأوصى لى بالنعل، ومات وأخذته بأسره.