للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لو طبخت قدر بمطمورة ... موقدها الشام وأعلى الثغور

وأنت في الصين لوافيتها ... يا عالم الغيب بما في القدور

واليوم قد مال القويم إلى الاعوجاج، وعزّ بازى الشيب غراب الشّعر الدّاج، وقيّد الزمن أقداما، ومنعت الشيخوخة إقداما، وصرت لحما على وضم، بعد أن كنت نارا على علم، وقد أفادتنى التّجربة من هذه الصناعة فنونا، وتلت علىّ من محاسنها متونا، وقد أبقيت لكل مجمع بابا، وفذلكت لكل مشهد حسابا، وقد اقتضى حسن الرأى أن أفوّض إليك أمرها، وأودع تأمور قلبك وحسّك سرّها، علمى بأنك الكيّس الفطن، بل الألمعىّ الذّرب المرن، لو عقدت أكلة الولائم بغاب ولجه، وأحسن بتأنّيه الجميل مدخله ومخرجه، وقد شاهدت من أعمالك الصالحة، ما يقال عند ذهابى:

ما أشبه الليلة بالبارحة، وقد عهدت إليك، واستخرت الله في التعويل عليك، فمثلك من يخطب للمناصب، ويتسنّم ذروة المراتب، ودونك ما أنطق به من الوصايا، واحفظ ما يسرده لسان القلم من جميل المزايا، إياك وموائد اللئام، وانزل بساحات الكرام، واتخذ الشروع في الشوارع حرفة، وأظهر على مشيك صلافة وعفّة، وميّز بعينك حسن المساطب ونقش الستور، وجمال الخدء وقعود الصدور، واقصد الأبواب العالية، والأكلة المنقوشة الجالية، فإن دللت على مأدبة نصبها بعض الأعيان، وجمع إليها أصحابه الإخوان، فالبس من ثيابك الجميلة قشيبها، وضوّع بالمندل الرطب طيبها، وأتقن خبر صاحب الدار وأخباره، وقف في صدر الشارع من الحاره، فإذا رأيت الجمع وقد تهادوا بالهوادى والأقدام، وتهادوا فيما بينهم لذيذ الكلام، تقدّم إليهم بقلب قلب الأمور، وعلم بحسن تطلّعه وتضلّعه داء الجمهور، وقل لهم: رب الدار قد استبطأكم، فما الذى أبطأكم؟ حتّى إذا قاربوا صعود العتبة،