للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما كانت هذه الغزاة المبرورة، والحركات التى عدت حسناتها فى صحائف القبول مسطورة، والسّفرة التى أسفرت بحمد الله عن الغنيمة والسلامة، وأعلمت الأمة بركة قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتّى ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خذلهم إلى يوم القيامة» . وكنت ممن شملته نفحات الرحمة فيها، وهبّت عليه رياح النّصر التى كانت ترجّيها [١] ، وشاهدت صدق العزائم الملكية الناصرية، التى طلعت فى سماء النّقع نجوما وقّادة، وشهدت فى محضر الغزو على إقرار العدى بالعجز، وكيف لا وذاك الموطن محلّ الشهادة، ورأيت كيف أثبت السيف لنا الحقّ لأنه القاضى فى ذلك المجال، وكيف نفذت السهام لأجل تصميمه فى الحكم، فلم تمهل حتى أخذت دين الآجال وهو حالّ، وقد أحببت أن أذكر من أمرها ملحة تنشرح منها [٢] الصدور، وآتى بلمعة تعرب عن ذلك النور، وها أنا أذكر نبأ السفر من افتتاحه، وأشرح حديث هذه الغزاة من وقت صباحه، فأقول:

ركب مولانا السلطان الملك [٣] الناصر خلد الله ملكه- بنيّة صالحة أخلصها فى سبيل ربّه، وعزيمة ناجحة ماثلت فى المضاء سمر عواليه وبيض قضبه، من قلعة مصر التى هى كنانة الله فى أرضه، بجيوشه التى نهضت بسنن الجهاد وفرضه، تقدمها أمراؤه الذين كأنهم ليوث غاب، أو غيوث سحاب، أو بدور ليال، أو عقود لآل [٤] معتضدا [٥] ببضعة من الرسول، منتصرا بابن عمه، الذى لا يسمو أحد من غير أهل بيته لشرفه، ولا يطول، ملتمسا بركة هذا البيت الشريف الذى طالما كانت الملائكة من نجده وجنده، مسترسلا بيمنة الإيمان سحب كرمه، مستدعيا صادق وعده. وسار على اسم الله تعالى بالجاريات الجياد، التى تعدو فى سبيل الله النجاد، وتعلو الهضاب، وسرى يقطع المنازل، ويطوى المراحل طىّ السّجلّ للكتاب، والجيوش المنصورة قد أرهفت


[١] كذا فى الأصول. وفى السلوك ١: ١٠٢٨ «تزجيها» .
[٢] وفى ص «ينشرح بها» .
[٣] الإضافة من السلوك ١: ١٠٢٩.
[٤] أى لآلىء.
[٥] فى الأصول «مقتصدا» والمثبت من السلوك ١: ١٠٢٩.