للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

[١] ، وقال: رب قد بذلت نفسى فى سبيلك فتقبّلها بقبول حسن، ونويت المصابرة فى نصرة دينك، وأرجو أن أشفع النّيّة بعمل يغدو لسان السّنان فى وصفه ذا لسن، وتلا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ

[٢] واهزم عدونّا فقد بايعناك على المصابرة وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ

. [٣] ، وابتهل إلى الله فى طلب التأييد، وتضرّع إليه فى ذلك الموقف الذى ما رآه إلّا من هو فى الآخرة شهيد، وفى الدنيا سعيد، هذا والسيوف قد فارقت الأغماد، وأقسمت أنها لا تقرّ إلا فى الرؤوس، والأسنة قد أشرعت وآلت أنها لا تروى ظمأها إلا من دماء النفوس، والسهام قد التزمت أنها لا تتخذ كنائنها إلّا من النّحور، ولا تتعوّض عن حنايا القسىّ إلا بحنايا الأضالع أو لترفّعها لا تحلّ إلّا فى الصدور، والدروع قد لزمت الأبطال قائلة: لا أفارق الأبدان حتى تتلى سورة الفتح المبين، والجياد حرّمت وطء الأرض وقالت لفرسانها: لا أطا إلّا جثث القتلى، ورؤوس الملحدين. فلا ترى إلا بحرا من حديد، ولا تشاهد إلا لمع أسّنّة أو بروق سيوف تصيد الصيد [٤] ، والسلطان قد أرهف ظباه [٥] ليسعّر بها فى قلوب العدى جمرا. وآلى أنه لا يورد سيوفه الطلى بيضا إلا ويصدرها حمرا، والإسلام كأنه بنيان مرصوص، ونبأ النصر على مسامع أهل الإيمان مقصوص، والنفوس قد أرخصت فى سبيل الله، وإن كانت فى الأمن غالية، وأرواح المشركين قد أعدّ لها الدّرك الأسفل من النار، وأرواح المؤمنين فى جنة عالية.

ولما كان بعد الظهر أقدم العدو- خذله الله- بعزائم كالسيوف الحداد وجاء على قرب من مقدمنا، فكان هو والخذلان على موافاة، وجئنا نحن والنصر على ميعاد؛ وأتى كقطع الليل المظلم بهمم لا تكاد لولا دفع الله عن بزاتها


[١] سورة آل عمران آية ١٢٦.
[٢] سورة البقرة آية ٢٥٠.
[٣] سورة البقرة آية ٢٤٩.
[٤] الصيد: جمع أصيد، والمراد به البطل الشجاع (لسان العرب) .
[٥] الظبا: حد السيف (محيط المحيط)