للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم رحل فى يوم الثلاثاء خامس شهر رمضان، ودخلها فى هذا اليوم والملائكة تحيّيه عن ربّه بتحيّة وإكرام، وتتلو عليه وعلى جيوشه ادْخُلُوها بِسَلامٍ [١] *

فى موكب كأنه نظام الدّرر، أو روضة كلها زهر، بل هو- حقا- هالة القمر، والدنيا قد تاهت به عجبا، والناس يدعون لسلطان قد شغفوا بدولته حبّا، ويتعجبون من نضارة ملكه الذى سرّ النواظر، ويرون أولياءه فى فلك إنعامه، فيقولون:

أبدّلت الأرض غير الأرض أو صارت سماء وإلا فما هذا القمر حوله النجوم الزواهر! وعادت المآتم بدمشق أفراحا وأعراسا، وربوع الهناء قد عوّضها أمن مقدمه عن الوحشة إيناسا، والقلعة بآلات حصارها مزينة قائلة:

كيف يستباح حماى وأنا بهذا السلطان محصّنة، وبشهادته [٢] محصنة.

هذا والأنهار تساير ركابه وقد صبغت من دماء العدى بأحمر قان، والأشجار تميل طربا بالهناء كما يميل النشوان بين الأغانى، والحمام يطرب بحسن الألحان والتغريد، وقد أقسمت لا تنوح، وكيف تنوح وقد خضّبت كفّها وطوّقت الجيد، والناس يقولون: أيا عجبا فى أوّل رمضان يكون عيد، وفى آخره عيد؟! والعزائم للعدى تردى، وبنصر الله ترتدى، وتهتز [٣] بردى تقول عند تغريد الحمامة:

«يا برد ذاك الذى قالت على كبدى» والأقاليم قد تاهت بسلطانها بهجة وسرورا، وهام الجوزاء تودّ لو كانت منبرا وسريرا، والرعايا تقول: هذا الملك الذى حمى الله بعزائمه الدّيار، وأدار العدى إلى دار البوار، ووقف لا يبتغى إلا وجه ربه، وقابل اليوم بنفسه وبكتائبه، وناضل الأمس بكتبه، والله لدعائهم سامع ومجيب، ومكافئه بكل فتح مبين ونصر قريب.


[١] سورة الحجر آية ٤٦.
[٢] كذا فى ص، وف. وفى السلوك ١: ١٠٣٤ «بسعادته» .
[٣] فى ص، وف، والسلوك ١: ١٠٣٤ «ونهر» .