للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووصل الميدان الأخضر وقد أذاق العدوّ الأزرق الموت الأحمر، فى يوم السعد الأبيض، بعلم النصر الأصفر- إلى القصر الأبلق، وقد طلع شمسا فى سماء الملك أنار به أفق الآفاق وأشرق، ففخر القصر بحلوله فيه، وقال: هذا اليوم الذى كنت أرتجيه، وهذا الوقت الذى ما برحت تبشّرنى به [٤٣] نسمات البكر والأصائل. لأنها تمرّ لطيفة، فأعلم أن معها منه- خلّد الله ملكه- رسائل، وهذا الملك الذى أعرف فيه من الله شمائل؛ فغبطته القلعة المنصورة، وسألته [١] أن لا تبقى بغير الجسد محسورة [٢] ، وفاخرت القصر بمالها من محاسن، وما شرفت به من إشراف على أنضر الأماكن، وامتازت به من حصانتها الذى ما امتطى سواه ذروتها، ولا علا غيره- خلّد الله ملكه- صهوتها، فأراد أن يعظم لقلعته الشأن- فحلّ بها مرة ثم بتلك أخرى، وطاب بحلوله الواديان.

ثم أذهب عن أوليائه وجيوشه مشقة التعب، ببذل الذهب، وأنسى بمكارمه حاتم طيئ، فلو عاش لا ستجدى ممّا وهب، وأمر بعود نوّاب ممالكه إلى أماكنهم المحروسة، وقال: قد خلت ربوعكم هذه المدّة.

وحيث حللنا بالبلاد نبتغى أن تكون مأنوسة، فتضاعف الشكر على إتمام هذه النعمة، وابتهلت الألسن بالمحامد، وكيف لا وقد طلع صبح النصر فجلّى ليل تلك الغمة، وشكر الناس منّة الله التى أعادت إليهم بالأمن الوسن [٣] ، وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [٤]

وأقام بدمشق [٤٤] المحروسة يتبوّأ منها أحسن الغرفات، واستقر من بقاعها [٥] فى جنّات، فحييت به بعد الممات، وعادت بمقدمه إلى جسدها الروح بعد المفارقة، وتمتعت مقلتها من محاسنه بأبهى من رياضها الرائقة، وهو يحمى حماها، ويحلى مواطن ملكها الزواهر رباها، ويزيّنها بمواكبه التى ماثلت الكواكب فى سنائها وسناها، وتطأ سنابك جياده أرضها فيدانى الثريا فى الافتخار ثراها، إلى أن قضى شهر صيامه


[١] كذا فى ص، وف. وفى السلوك ١: ١٠٣٥ «وسألت» .
[٢] فى ص وف «محصورة» ونقل الصواب ما أثبته.
[٣] الوسن: الحاجة والوطر، النوم والنعاس (لسان العرب) .
[٤] سورة فاطر آية ٣٤.
[٥] كذا فى ص، وف. فى السلوك ١: ١٠٣٥ «ويستقر من بقعتها» .