للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقبول. وأتاه عيد الفطر مبشرا بإدراك آماله فى عز مستمر ونصر موصول، وأسبغ من عطاياه ما أربى على عدد أمواج البحر، وتعدّدت لدولته المسرّات فى هذا الشهر الميمون، فآخره عيد فطر، وأوّله عيد نحر.

ثم رحل عن دمشق فى يوم الثلاثاء ثالث شوال، ويعزّ عليها أن تفارقه. أو تبعد عن محيّاه الذى أنار مغارب الملك ومشارقه، أو يسيّر عنها عزمه الذى إن غاب أغنت مهابته، أو حضر أرهف على العدو بوارقه، وأغصان رياضها تحسد بنود سناجقه، وأوراق روحها تودّ لو كانت مكان أعلامه وخوافقه، وزهرها يتمنى لو كان وشيا [٤٥] لحلل [١] جياده، وأرضها النضرة تكاد تنطوى بين يديه لتكون مراكز السعادة [٢] ، وقصرها الأبلق يتوسّل إليه فى أن يتخذه بدل خيامه، وستائره ليسر مسكنه [٣] فيه ومقامه، ومصر تبعث إليه مع النسيم رسائل، وتبذل له فى تعجيل عوده وسائل [٤] ، وكرسىّ سلطنتها يودّ لو سعى من شوق إليه، أو شافهه بالهناء وبالنعمة التى أتمّها الله عليه، فلبّى دعوتها ولم يطل جفوتها، وسار إليها سير الأقمار إلى منازل الضّياء والنور، ووطئ بمواكبه الأرض فظهرت بها من مواطئ جياده أهلّة، ومن آثار أخفاف مطيّه بدور، ووصل ديار مصر المحروسة وقد زفّت عروسا تجلى فى أبهى الحلل، وجمعت أنواع المحاسن، فلا يقال لشىء منها كمل لو أنّ ذا كمل، وفضح الدجى إشراقها، وبهر العيون جمالها، فإلى أقصى حدائق حسنها. رنت أحداقها، وسبت النفوس منازلها، وكيف لا، وهى المنازل التى لم نزل نشتاقها، وشغلت القلوب أبياتها، وكيف لا وقد زانها ترصيعها وطباقها، وحوت من البهاء ما لو حوته البدور لما شانها بعد التمام محاقها، وأمست روضة أثمرت اللآلى والدرر، وفلكا زها بالمشرقات فيه، [٤٦] وكيف لا وفى كل ناحية من وجهها قمر.

وحلّ- خلّد الله ملكه- بظاهر القاهرة فكادت تسير لخدمته بأهلها وجدرانها، غير أنّه أثقلها الحلى فأخّرها لتبدو إليه فى أوانها المراد، وما أحسن الأشياء فى أوانها، وهمّ نيلها أن يجرى فى طريقه لكنه أخّره النقص


[١] فى ص، وف «لحلك» ولعل الصواب ما أثبته.
[٢] كذا فى ص، وف. ولعلها «الصعاده» .
[٣] فى ص، وف «ممكنه» ولعل الصواب ما أثبته.
[٤] فى ص، وف «رتائل» والمثبت من السلوك ١: ١٠٣٥.