للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتقصير، واستحيا أن يقابله وهو دون غاية التمام، أو يسير من مواكب أمواجه فى عدد يسير، وخشى أن يتخلّل السبل بين يديه فيحصل فى ريها الخلل، أو تظهر عليه- كونه فى زمن توحمه- حمرة الخجل، وكأنّ عمود مقياسه قد آلى أن لا يضع أصابعه فى اليّمّ إلا بإذن سلطانه، ولا يلبس ثوب خلوق إلّا ما يزره عليه ببنانه، ولا يأتى بزيادة إلا بعد مقدمه، وكيف لا ومدده من إحسانه؟! وركب سحر الإثنين الثالث والعشرين من شوال سنة اثنتين وسبعمائة من ظاهر القاهرة فى موكب حفّ به الظّفر، وأضحى حديثا للأنام وذكرى للبشر، وسيفه المنصور قد أذهب عن الملّة الإسلامية ليل الخطب ومحا، والأمة يترقبون طلوع فجر بدره، ولسان المسرّة يتلو عليهم مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [١]

ودخل البلد وقد تزايدت بمقدمه سرورا [٤٧] وبشرا، وأنشدته:-

أنت غيث إذا وردت إلى الش ... ام ونيل إذا تيمّمت [٢] مصرا

أطلع الشرق من جبينك شمسا ... ليس تخفى ومن محياك بدرا

كان أمر التتار مستصعب الح ... ال فصيّرت عسر ذلك يسرا

وفتحت له أبواب نصرها التى يفضى منها إلى نعمة ونعيم، وشاهدته [٣] عيون أهلها. فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ [٤]

والرعايا قد أصبحوا كما أمسوا بالدعاء له مبتهلين، والألسنة تتلو عليه وعلى أمرائه ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [٥]

وقد


[١] سورة طه آية ٥٩.
[٢] فى ص، وف، والسلوك ١: ١٠٣٦ «يممت» والوزن يقتضى ما أثبته.
[٣] فى ص، وف والسلوك ١: ١٠٣٦ «وشاهدت» .
[٤] سورة يوسف آية ٣١.
[٥] سورة يوسف آية ٩٩.