للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أظلتّه سماء أديمها الحرير، ونجومها الذهب، وسحبها تنثر اللؤلؤ المكنون، وحيل بين سنابك خيله وبين الأرض بأثواب من استبرق تستوقف العيون، وكوفئت عن وطء الأحجار بالأمس فى سبيل الله بوطء الديباج فى هذا اليوم، وكادت الأيدى تلمس معارفها تبركا بترب الجهاد الذى حملت إليه أكرم قوم، فرأى فيها جنّة أوردت من مناهلها كوثرا، وكان قد أنهى بين يديه حديث زينتها [١] فوجد خبرها يجاوز خبرا، ولم يجد بها عيبا غير أن صباحها حمدت به الأجفان عاقبة السّرى، وتبرّجت عقائلها نزها للنواظر [٤٨] ، وتظهر كلّ واحدة منهن فى وشى أبهى من الزواهر، ولبست جدرانها حلل السرور النّضرة، وأبرزت بعولتهن ما فى ذخائرهم ولم يسألوا نظرة إلى ميسرة- وما ثنت [٢] أعطافها- كما أمست وجوه التهانى بها ضاحكة مستبشرة، ولمّا مر بسبلها حلا له ذلك النّور، ولمّا سلك بين قصريها تحقق الناس أن أيامه زادت على أيام الخلفاء؛ فإنها أنشأت قصرين وهذا أنشأ لها قصورا ما بها من قصور، فمن بروج تمنّت البدور لو كانت لها منازل، ومن قلاع لو تحصّن بها جان لما دارت عليه دوائر الدهر الغوائل، ومن قباب علت وليس لها غير الهمم من عمد، وضربت على السماحة والنّدى فما عدم مشيّدها حسن البناء ولا فقد، ومن عقود عقد لها على عرائس السعود، وتمكّنت فى الصّعود، ومن حلى لو ظفر بها الحسن بن سهل لاتخذ منها لجهاز ابنته على المأمون ما لا ألف مثله فى زمنه ولا عهد، ولو [٣] رآه ابن طولون لاعتضد به فى إهداء عقيلته للمعتضد، ومن أواوين تزرى بإيوان كسرى الذى [٤] تعظّم بناؤه وتحمّد، ويستصغر فى عين من رأى إيوانا واحدا من هذه، وكيف لا وذاك هدم فى زمن [٤٩] محمد- صلى الله عليه وسلم- وهذا عمّر لنصرة محمد، وذاك أهلك بانيه وزجر، وهذا أيّد بانيه ونصر، ومن سواق


[١] فى ص، السلوك ١: ١٠٣٧ «رتبتها» والمثبت من ف.
[٢] كذا فى ص، وفى السلوك ١٠٣٧ «وماست» .
[٣] فى ص، وف «ولا رآه» والمثبت يقتضيه السياق.
[٤] فى ص، ف «التى» .