للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلطان، ويشكره، ويذكر محاسنه، واحتفاله بالمصالح، وحسن مباشرته، فتمكن بذلك عند السلطان، وظهر اسمه وعلت رتبته، فعلم أنه لا يستقيم له ما يرومه، ويحصل تمكنه على ما فى نفسه مع بقاء الوزير، فتلطف إلى أن كان من عزل الصاحب أمين الدين ما ذكرناه، وحسّن للسلطان اختصار الوزارة، وأنّ السلطان يشاور فى جميع الأمور، ويتصرف فيها عن أمره، ويطّلع على أحوال دولته، ما قرب منها وما بعد، فوقع ذلك من السلطان بموقع، ووافق عليه، واختصرت الوزارة، وأضاف السلطان إلى كريم الدين ما كان بيد الصاحب أمين الدين من نظر البيمارستان المنصورى والقبة والمدرسة، ومكتب السّبيل، وأوقاف ذلك، فعندها استقل كريم الدين بالأمر، وأظهر القوة برفق، ولم يزل أمره يأخذ فى الازدياد والظهور والتقدم وعلو الشأن، وهو مع ذلك يراجع الأمير سيف الدين طغاى؛ ويتردد إليه، ولا يخالف أمره، ثم مال إلى غيره من الأمراء المماليك السلطانية، ورأى فى نفسه أنه قد كبر على مراجعة طغاى أو غيره، فظهر ذلك لطغاى، فتنكر له، وغضب لميل كريم الدين إلى غيره، فأعمل كريم الدين الحيلة والتلطف إلى أن كان من إخراج طغاى إلى نيابة صفد والقبض عليه ما قدّمنا ذكره، فلم يبق له عند ذلك منازع ولا مشارك فى الكلمة، ومال السلطان إليه ميلا عظيما، وقرب منه قربا ما قربه منه أحد، ولا سمع بمثله، حتى ولا ما بلغنا عن الرشيد والبرامكة ما لو شرحناه لطال، وزاده السلطان فى التشاريف، فكان يخلع عليه أولا «كنجى» (٤٤) مطلق ثم خلع عليه «كنجى» منقوشا ثم رفعه عن هذه الرتبة فخلع عليه أطلسا معدنيا أبيض، وتحتانية أطلس أخضر بطرززركش على الفرجتين، ولم يخلع مثل ذلك على متعمّم قبله، ولا على نائب سلطنة، وبلغنى أنه رسم له أن يلبس فى خلعته الشاش المثمر الذى لا يخلع إلا على صاحب حماة، وهو شاش سكندرى مقفّص بحواش زرق بقبضات ذهب مصرى، فاستعفى من ذلك.

ثم فوّض السلطان إليه بعد ذلك جميع ما بيده من التصرّف فى الأموال والولايات، والبيع والابتياع والنكاح والعتق وغير ذلك، أقامه فى جميع ذلك مقام نفسه، وقال السلطان فى مجلس عام: «فوّضت إليه ما هو مفوّض إلىّ» .