للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وزاد معلومه المقرّر له على الدولة، فقرر له ما لم نعلم أنه قرّر لمتعمّم قبله، وكان يستدعى من الحوايج خاناه والمطبخ السلطانى ما يحتاج إليه من الطارى، فيحمل إليه من غير استئذان أحد، وأضاف السلطان إليه النظر على أوقاف الجامع الطولونى عوضا عن قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعى، وكان قاضى القضاة يلى ذلك بشرط الواقف، فانتزعه منه، وفوضه إلى كريم الدين، فباشره أحسن مباشرة، وحصل له من السعادة فى مباشرته أنه كان إذا اختلت جهة من الجهات ففوضت إليه صلح أمرها، وتميّزت أموالها، وصار هو الآمر فى الدولة مصرا وشآما، وكان أمره يصدر لفظا لا خطا، ولا يراجع إذا أمر بولاية أو عزل أو طلاق أو منع أو زيادة أو توفير، فكان يرسل إلى القاضى علاء الدين [١] على بن الأثير صاحب ديوان الإنشاء أن يوقع بكذا، أو يكتب بكذا، فيفعل ذلك من غير مراجعة ولا توقف على استئذان السلطان، بل يكتب لوقته ما يأمر به، ويكتب فى آخر/ (٤٥) المرسوم أو التوقيع حسب الأمر الشريف، فتصرّف كريم الدين فى أموال المملكة وولاياتها ووظايفها بلفظه، فكان ساير أرباب الوظايف يتصرفون عن أمره.

ولقد انتهى أمره فى التعاظم إلى أن حضر الأمير علاء الدين الطنبغا [٢] ، نائب السلطنة بحلب إلى الأبواب السلطانية فى سنة اثنتين وعشرين وسبعماية، وركب فى خدمة كريم الدين إلى داره، فلما قرب من الدار ترجل عن فرسه ومشى وكريم الدين راكب ما تغير عن حاله إلى أن انتهى إلى المكان الذى عادته أن يركب منه وينزل فيه، وانتهى تمكنه إلى أن ركب السلطان إلى داره، مرارا، فركب مرة إلى تربته بالقرافة، ونزل ودخل الخانقاه التى أنشأها كريم الدين بها، وأكل طعامه فيها، وركب مرة ثانية إلى داره التى أنشأها ببركة الفيل، ووقف السلطان بنفسه، وقسّمها المهندسون بحضوره، والسلطان يشاركهم فى الهندسة والقسمة.


[١] على بن أحمد بن سعيد بن الأثير ولد فى سنة ٦٨٠ هـ، ترجمته فى الدرر (٣/١٤) وسيورد النويرى ترجمته فى هذا الجزء فى حوادث سنة ٧٣٠ هـ.
[٢] الطنبغا الحاجب الناصرى، ولاه الناصر نيابة حلب سنة ٧١٤، ثم أعيد إلى مصر أميرا سنة ٧٢٧، ثم عاد إلى نيابة حلب سنة ٧٣١ هـ ثم عزله الناصر فى ٧٣٢، ومات مخنوقا- أو مسموما- فى ذى القعدة سنة ٧٤٢ هـ. ترجمته فى الدرر (١/٤٠٨ و ٤٠٩) .