ولقد مرض قبل أن يأمر السلطان بالقبض عليه بأيام، فأظهر السلطان عليه من القلق والألم ما لا مزيد عليه، وكان يرسل إليه فى كل يوم جماعة من مماليكه الأمراء الخاصّكية يسألون عنه، ويعودون إلى السلطان بخبره، ثم يرسل آخرين بعدهم، هذا دأبه فى طول نهاره، وأرسل إليه جملة من المال يتصدق بها فى مرضه. ولما عوفى زينت له القاهرة أحسن زينة، كما تزين للفتوحات الجليلة، ولعود السلطان من الغزوات المنصورة عند هزيمة أعدائه، وبات الناس بالأسواق، ونصب فى بعض الجهات أبراج من الخشب، ولبست الأطلس، والذهب وغيره، وكانت الملاهى فى عدة مواضع من القاهرة بالأسواق أياما، وبظاهر القبة المنصورية، وفعل مثل ذلك/ (٤٦ فى مرضه عند عافيته فى غير هذه المرة، وإنما كانت أكثرها احتفالا المرة الأخيرة.
ولما عوفى من المرضة الأخيرة أمر أن يتصدّق بقمصان بالبيمارستان من وقفه، فاجتمع الفقراء لذلك، وازدحموا قبل وصوله إلى البيمارستان، فمات منهم من شدة الازدحام ثلاثة عشر إنسانا من الرجال والنساء، وتأخر عن الحضور فى ذلك اليوم. هذه حاله فى أمر الدولة والتمكّن منها، والقرب من السلطان، ونفوذ الكلمة.
وأما حاله فى نفسه وأمواله ومتاجره، فإنه اتسعت أمواله ونمت، وكثرت أملاكه، وتضاعفت متاجره، إلى أن منع التجار أن يتّجروا فى صنف من الأصناف إلا أن يبتاعوه من حواصله بما يختاره من الثمن، واحتكر الأصناف قليلها وكثيرها حتى حبال القنب للورّاقات وقصب الغاب، وقش الحصر، وما بين ذلك إلى المسك والعنبر والعود، وماء الورد، وساير الأصناف، لا يستثنى منها شيئا؛ وكان فى كل مدة ينادى بجمع التجار إلى داره واصطبله لحضور حلقة البيع، فتغلق الأسواق، ويحضر الناس على اختلاف طبقاتهم، فيخرج الأصناف من الأقمشة وغيرها، فيبيعها عليهم بما يختاره هو أو أتباعه، لا يقدر أحد منهم على الامتناع.