للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهن الحرّة الملكة أم فاتك بن المنصور الملك، وكانت/ (١١٩) من جوارى الوزير أنيس ابتاعها منصور من ورثته، وكانت حبشية مغنية، واسمها علم، فخرجت امرأة صالحة خيّرة كانت تحج بأهل اليمن برا وبحرا فى خفارتها من الأخطار والمكوس، فاعتزلت القصر، وسكنت خارج المدينة، وبنت لها دارا.

هذا والملك ولدها.

قال: ولما أراد الله تعالى هلاك الوزير «منّ الله» حاول بنت معارك بن جياش وراودها، وكانت موصوفة بجمال، فافتدت [نفسها [١]] منه بأربعين بكرا فذكرت ذلك لعبيد عمها فاتك، وعبيد ابن عمها منصور بن فاتك فهابوه، ولم يقدروا على شىء فقالت/ لهم الحرة أم أبى الجيش- وكانت مولدة ذات جمال-: أنا أكفيكموه، ثم أرسلت إلى الوزير منّ الله. تقول له: «إنك أسأت السّمعة علينا وعليك فيما تقدم، ولو كنت أعلمتنى خدمتك أتمّ خدمة، ولم يعلم بك أحد، ففرح الوزير بذلك، وتواترت الرسائل بينه وبينها، حتى قال: فإنى أزورك فى هذه الليلة إلى دارك متنكرا، فقالت لرسوله: إن الله قد أجلّ قدر الوزير عن ذلك، بل أنا أزوره فى داره، وأتته عند المساء، فغنّته وشرب وطرب، فيقال: إنها مكّنته من نفسها، فوقع عليها، فلما فرغ مسحته بخرقة مسمومة، فتهرّأ ومات [٢] من ليلته، فدفنه ولده منصور فى إسطبله، وسوى به الأرض، فلم يعرف له قبر، وكانت وفاته فى ليلة السبت خامس عشر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وخمسمائة.

ثم وزر بعده لفاتك بن منصور زريق الفاتكى [٣] «وكان شجاعا كريما، وكان له من الأموال والأراضى ما لا تحصى قيمته،/ (١٢٠) وكان له ثلاثون ولدا إلا أنه لم يكن له نفاذ فى سياسة العسكر، ولا خبرة بإقامة نواميس السلطنة، فاستقال من الوزارة، واستدعى لها الوزير أبا منصور مفلحا الفاتكى،


[١] ما بين الحاصرتين زيادة من «مختصر المفيد» ، وقد أورد هذه القصة مفصلة فى صفحتى ١٠٠ و ١٠١.
[٢] يقال: تهرأ اللحم، إذا اشتد نضجه حتى سقط عن العظم.
[٣] فى ابن خلدون (٤/٢١٨) أنه كان من موالى أم فاتك المختصين بها.