فعظم عليها ذلك؛ فأرسلت إلى عليّة تشكو إليها. فأرسلت إليها عليّة: لا يهولنّك هذا، والله لأردّنّه إليك. قد عزمت أن أضع شعرا وأصوغ فيه لحنا وأطرحه على جوارىّ، فلا تبقى عندك جارية إلّا بعثت بها إلىّ وألبسيهنّ أنواع الثّياب ليأخذن الصوت مع جوارىّ؛ ففعلت أمّ جعفر ما أمرتها به. فلما جاء وقت صلاة العصر لم يشعر الرشيد إلا وعليّة وأمّ جعفر قد خرجتا إليه من حجرتيهما معهما زهاء ألفى جارية من جوازيهما وسائر جوارى القصر عليهنّ غرائب اللّباس وكلهنّ في لحن واحد هزج صنعته عليّة وهو:
منفصل عنّى وما ... قلبى عنه منفصل
يا هاجرى اليوم لمن ... نويت بعدى أن تصل
فطرب الرشيد وقام على رجليه حتى استقبل أمّ جعفر وعليّة وهو على غاية السرور، وقال: لم أر كاليوم قطّ. يا مسرور، لا تبقيّن في بيت المال درهما إلا نثرته.
فكان ما نثر يومئذ ستة آلاف درهم، وما سمع بمثل ذلك اليوم.
وروى عن عريب أنها قالت: أحسن يوم رأيته في الدنيا وأطيبه يوم اجتمعت فيه مع إبراهيم بن المهدىّ عند أخته عليّة وعندها أخوهما يعقوب بن المهدىّ، وكان أحذق الناس بالزّمر. فبدأت عليّة فغنّت من صنعتها وأخوها يعقوب يزمر عليها:
تحبّب فإنّ الحبّ داعية الحبّ ... وكم من بعيد الدار مستوجب القرب
تبصّر فإن حدّثت أنّ أخا هوى ... نجا سالما فارج النجاة من الحبّ
إذا لم يكن في الحبّ سخط ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب
وغنّى إبراهيم في صنعته وزمر عليه يعقوب:
لم ينسنيك سرور لا ولا حزن ... وكيف لا، كيف ينسى وجهك الحسن
ولا خلا منك قلبى لا ولا جسدى ... كلّى بكلّك مشغول ومرتهن