للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ذا فديتك يستطيع لحبه ... دفعا إذا اشتملت عليه ضلوع

فقلت: بنفسى أنت والله، من لا يكلّ ولا يملّ! والله ما جهل من فهمك، اركب بنا فدتك نفسى. قال: أمهلنى كما أمهلتك أقض بعض شأنى. فقلت: وهل عما تريد مدفع!. فقام فصلّى ركعتين ثم ضرب بيده إلى الشجرة وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. ثم مضينا والقوم مستشرفون. فلما دنونا منهم إذا الغريض يغنّيهم:

من خيل حىّ لا تزال مغيرة ... سمعت على شرف صهيل حصان

فبكى ابن سريج حتى ظننت أن نفسه قد خرجت. فقلت: ما يبكيك يا أبا يحيى؟

جعلت فداك لا يسوءك الله ولا يريك سوءا «١» ! قال: أبكانى هذا المخنّث بحسن غنائه وشجا صوته، والله ما ينبغى لأحد أن يغنّى وهذا الصبىّ حىّ؛ ثم نزل واستراح وركب. فلما سرنا هنيهة اندفع الغريض يغنّى لهم بلحنه:

يا خليلىّ قد مللت ثوائى ... بالمصلّى وقد سئمت البقيعا

بلّغانى ديار هند وسعدى ... وارجعانى فقد هويت الرجوعا

قال: ولصوته دوىّ في تلك الجبال. فقال ابن سريج: يابن بركة، أسمعت مثل هذا الغناء قط؟! قال: ونظروا إلينا فأقبلوا نشاوى يسحبون أعطافهم وجعلوا يقبلّون وجه ابن سريج. فنزل فأقام عندهم ثلاثا، والغريض لا ينطق بحرف، وأخذوا في شرابهم وقالوا: يا حبيب النفس وشقيقها، أعطها بعض شأنها «٢» . فضرب بيده إلى جيبه «٣» فأخرج منه مضرابا ثم أخذه بيده ووضع العود في حجره- فما رأيت [يدا «٤» ] أحسن من يده