للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن أمّ عريب كانت تسمّى فاطمة، وكانت يتيمة؛ فتزوّجها جعفر بن يحيى بن خالد؛ فأنكر عليه أبوه، وقال له: تتزوّج بمن لا يعرف لها أمّ ولا أب! اشتر مكانها ألف جارية. فأخرجها جعفر وأسكنها فى دار فى ناحية باب الأنبار سرّا من أبيه، ووكّل بها من يحفظها، وكان يتردّد إليها؛ فولدت عريب فى سنة إحدى وثمانين ومائة.

وكانت سنوها إلى أن ماتت ستّا وتسعين سنة. قال: وماتت أمّ عريب فى حياة جعفر، فدفعها إلى امرأة نصرانيّة وجعلها داية [١] لها. فلما حدثت بالبرامكة تلك الحادثة باعتها من سنبس النخّاس، فباعها من المراكبىّ.

قال ابن المعتزّ: وأخبرنى يوسف بن يعقوب قال: كنت إذا نظرت قدمى عريب شبّهتهما بقدمى جعفر بن يحيى. قال: وسمعت من يحكى أنّ بلاغتها فى كتبها ذكرت لبعض الكتّاب، فقال: وما يمنعها من ذلك وهى بنت جعفر بن يحيى! هذا ملخص ما حكاه أبو الفرج فى نسبها.

وأمّا أخبارها مع من ملكها وكيف تنقّلت بها الحال، فقد حكى ابن المعتزّ عن الهشامىّ أنّ مولاها خرج بها إلى البصرة فأدّبها وخرّجها وعلّمها الخطّ والنحو والشعر والغناء، فبرعت فى ذلك أجمع، وتزايدت حتى قالت الشعر. وكان لمولاها صديق يقال له حاتم بن عدىّ من قوّاد خراسان، وقد قيل: إنه كان يكتب لعجيف على ديوان العرض؛ فكان مولاها يدعوه كثيرا ويخالطه. فركبه دين فاستتر عنده؛ فمدّ عينه الى عريب وكاتبها فأجابته، ودامت المواصلة بينهما وعشقته؛ ثم انتقل من منزل مولاها. فلم تزل تحتال حتى اتّخذت سلّما من سبّ [٢] ، وقيل: من خيوط غلاظ، وكان قد اتخذ لها موضعا، ثم لفّت ثيابها وجعلتها فى فراشها بالليل ودثّرتها


[١] الداية: الظئر المرضعة والمربية.
[٢] السب: شقة كتان رقيقة. وفى الأصل:
«سقب» . وفى الأغانى: «عقب» . فلعلهما محرفان عما أثبتناه.