قال ابن المعتزّ: وحدّثنى محمد بن موسى بن يونس: أنها ملّته بعد ذلك فهربت منه، فكانت تغنّى عند أقوام عرفتهم ببغداد وهى مستترة متخفّية. فلمّا كان يوم من الأيام اجتاز ابن أخى المراكبىّ ببستان كانت فيه مع قوم تغنّى، فسمع غناءها فعرفه؛ فبعث إلى عمّه وأقام هو مكانه، فلم يبرح حتى جاء عمّه وكبسها، فأخذها وضربها مائة مقرعة وهى تصيح: يا هذا، لم تقتلنى! لست أصبر عليك، أنا امرأة حرّة، فإن كنت مملوكة فبعنى، لست أصبر على الضّيق. فلما كان من الغد ندم على فعله وصار إليها فقبّل رأسها ويدها ورجلها ووهب لها عشرة آلاف درهم. ثم بلغ محمدا الأمين خبرها فأخذها. قال: وكان الأمين فى حياة أبيه طلبها منه فلم يجبه إلى ذلك. فلما أفضت إليه الخلافة جاء المراكبىّ ومحمد راكب ليقبّل يده؛ فأمر بمنعه ودفعه، ففعل ذلك الشاكرىّ [١] ؛ فضربه المراكبىّ وقال: أتمنعنى من تقبيل يد مولاى! فجاء الشاكرىّ لمّا نزل محمد الأمين فشكاه؛ فأمر بإحضار المراكبىّ فأمر بضرب عنقه، فسئل فى أمره فعفا عنه وحبسه، وطالبه بخمسمائة ألف درهم مما اقتطعه من نفقات الكراع؛ وبعث فأخذ عريب من منزله مع خدم كانوا له. فلمّا قتل محمد الأمين هربت عريب الى المراكبىّ فكانت عنده.
قال ابن المعتزّ: وأمّا رواية إسماعيل بن الحسن خال المعتصم فإنها تخالف هذا، وذكر أنها إنما هربت من دار مولاها المراكبىّ إلى محمد بن حامد الخاقانىّ المعروف بالخشن أحد قوّاد خراسان، وكان أشقر أصهب أزرق العين. وفيه تقول عريب ولها فيه غناء:
[١] الشاكرىّ: الأجير والمستخدم، وهو معرب جاكر. (عن القاموس) .