للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جلوس إلى أن يقصر الظّلّ عندها ... لراحوا وكلّ القوم منها على وصل

فقال لى المأمون: اخفض صوتك لا تسمع عريب فتغضب وتظنّ أنّا فى حديثها؛ فأمسكت عما أردت أن أخبره به، وخار الله لى فى ذلك.

وقال محمد بن عيسى الواثقىّ: قال لى محمد بن حامد ليلة: أحبّ أن تفرّغ لى مضربك، فإنى أريد أن أجيئك فأقيم عندك؛ ففعلت وأتانى. فلما جلس جاءت عريب فدخلت وجلسنا؛ فجعل محمد يعاتبها ويقول: فعلت كذا وفعلت كذا! فقالت لى: يا محمد، هذا عندك رأى! ثم أقبلت عليه فقالت: يا عاجز، خذ بنا فيما نحن فيه، واجعل سراويلى مخنقتى وألصق خلخالى بقرطى، فإذا كان غد فاكتب بعتابك فى طومار حتى أكتب اليك بعذرى فى مثله، ودع عنك هذا الفضول؛ فقد قال الشاعر:

دعى عدّ الذنوب إذا التقينا ... تعالى لا نعدّ ولا تعدّى

فأقسم لو هممت بمدّ شعرى ... إلى باب [١] الجحيم لقلت مدّى

وقال أحمد بن حمدون: وقع بين عريب وبين محمد بن حامد شرّ حتى كادا يخرجان إلى القطيعة، وكان فى قلبها منه أكثر مما فى قلبه منها. فلقيته يوما فقالت: كيف قلبك يا محمد؟ قال: أشقى ما كان وأقرحه. فقالت: استبدل تسل. فقال لها:

لو كانت البلوى باختيار لفعلت! فقالت: لقد طال إذا تعبك. فقال: وما يكون! أصبر مكرها! أما سمعت قول العبّاس بن الأحنف:

تعب يطول مع الرّجاء لذى الهوى ... خير له من راحة فى الياس

لولا كرامتكم لما عاتبتكم ... ولكنتم عندى كبعض النّاس

قال: فذرفت عيناها، واعتذرت اليه واعتنقته، واصطلحا وعادا إلى ما كانا عليه.


[١] فى الأغانى: «الى نار الجحيم» .