للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهجر ما عرفت حلاوة الوصل، ومن ذمّ بدء الغضب حمد عاقبة الرضا. فخرج المأمون إلى جلسائه فحدّثهم بالقصة؛ ثم قال: أترى لو كان هذا من كلام النّظام لم يكن كثيرا! وقال أحمد بن أبى دواد: جرى بين المأمون وبين عريب كلام، فكلّمها المأمون بشىء غضبت منه فهجرته أياما. فدخلت على المأمون، فقال: يا أحمد، اقض بيننا.

فقالت عريب: لا حاجة لى فى قضائه ودخوله بيننا، وأنشأت تقول:

ونخلط الهجر بالوصال ولا ... يدخل [١] فى الصّلح بيننا أحد

وكانت قد تمكّنت من المأمون وأخذت بمجامع قلبه، وذهب به حبّها كلّ مذهب؛ وقد قدّمنا أنه قبّل رجلها.

وكانت عريب تهوى أبا عيسى بن الرشيد أخا المأمون، وكان المثل يضرب بحسنه وحسن غنائه، وكانت تزعم أنها ما عشقت أحدا من بنى هاشم وأصفته من الخلفاء وأولادهم سواه. ولم تزل عريب مبجّلة عند الخلفاء محبوبة اليهم مكرّمة لديهم إلى أن غضب عليها المعتصم والواثق وانحرفا عنها. وكان سبب ذلك أن المعتصم وجد لها كتابا إلى العبّاس بن المأمون ببلد الروم تقول فيه: اقتل أنت العلج حتى أقتل أنا الأعور الليلىّ هاهنا (تعنى الواثق، وكان المعتصم استخلفه ببغداد) .

ولعمرى إنّ هذا من الأمور العظيمة التى لا تحتمل من الأولاد والإخوة فكيف من أمة مغنّية! ولو لم تكن لها عندهم المكانة العظمى والمحلّ الكبير لما أبقوها بعد الاطّلاع من باطن حالها على هذه الطّويّة. وكانت عريب تكايد الواثق فيما يصوغه من الألحان، وتصوغ فى ذلك الشعر تغنّيه لحنا فيكون أجود من لحنه.


[١] كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «ولا يصلح» .