أمر العدوّ ولو لم يكن إلا رأيه لا غير؛ فكيف وفى يده من العضب، مثل ما فى صدره من القلب؛ كلاهما حديد لا تكلّ مضاربه، ولا تخونه ضرائبه، ولا تفنى إذا عدّدت عجائبه. فكم له من يوم أغرّ محجّل الأطراف، وليلة فى سبيل الله دهماء الأهوال بيضاء الأوصاف؛ والنفوس واثقة بأن الظّفر على يده يجرى، والمبشّر من جهته يسرّ ويسرى. والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
وكتب أيضا فى مثل ذلك: ورد كتاب المجلس- نصر الله عزمته، وشكر همّته، وأتمّ عليه نعمته، وصرف به وعنه صرف كلّ دهر وملمّته ومؤلمته، وأعان أولياءه على أن يؤدّوا خدمته، ويستوهبوا له فضل الله ورحمته، وأجزل قسمه من الخير الذى يحسن بين محبّيه قسمته- سافرا عن مثل الصباح السافر، متحدّثا عن روض أفعاله بلسان النسيم السّحرىّ الساحر، حاملا حديث بيضه وسمره حديث السامر.
وهنّأ بالفتح وهو المهّنأ به، وكيف لا يهنّأ بالفتح من هو فاتحه! وكيف لا يشرح خبره من هو فاتح كلّ صدر وشارحه! ولقد دعا له لسان كلّ مسلم وساعدت لسانه جوارحه؛ وعلم أنه باشر الحرب وتولّى كبرها، وأخمد جمرها، ولقى أقرانها، وافترس فرسانها، وجبّن شجعانها، وشجّع جبانها؛ وأنفق الكريمين على النفس: النّفس والمال، وحفظ على الإسلام الطّرفين: الفاتحة والمآل. وإذا تأمل المجلس الدنيا علم أن الذى يبقى بها أحاديث، وإذا نظر إلى المال علم أن الذى فى الأيدى منه مواريث؛ فالحازم من ورث ماله ولم يورثه لغيره، والسعيد من لم يرض لنفسه من الحديث إلا بخيره. وما يخفى عن أحد ما فعله، ولا ما بذله، ولا ما هان عليه، ولا ما أهان الله كرائم المال بيديه؛ ولقد حلّت نعمة الله فى محلّها لديه، وكان كفأها الكريم الذى أصدقها ما فى كفّيه.
هذا ثنائى وهاتيكم مناقبكم ... يا أعين النّاس ما أبعدت إسهادى