، بل هو سبحانه يوفى عباده مثاقيل الذّرّ، وللصابرين عنده الأجر بغير حساب لجلالة قدر الصبر.
والمجلس صبّر نفسه على المشقّات فليبشر بثوابها، وكثّر أعمال البرّ فهو يدخل الجنّة بفضل الله من جميع أبوابها. وكما يهنّأ المجلس بالافتتاح فهو يهنّأ بالجراح؛ ولا يغسل ثوب العمل إلا الدم المسفوح، وكل جرح إنما هو باب إلى الجنة مفتوح. والحمد لله على أن أمتع الأمّة بنفسه التى بذلها، وقد باعها له وأبقاها لنا وقبلها. وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ.
وكتب المرحوم علاء الدين علىّ بن القاضى محيى الدين بن الزكىّ إلى أخيه بهاء الدين مبشّرا بفتح صفد، وكان هذا الفتح فى يوم الجمعة ثامن عشر شوّال سنة أربع وستين وستمائة، على ما نذكره إن شاء الله تعالى فى أخبار دولة الترك فى أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس:
يقبّل اليد الكريمة، ويبثّ ما يعالجه من لواعج الأشواق التى تركته بين الأصحاب مدلّها، وسلبت لبّه فلا أعلم عليه من دلّها؛ وينهى أن المملوك فارق كريم جنابه وتوجّه إلى صفد المحروسة فوصل إليها فى تاريخ كذا، ووافاها والحصن قد تزعزعت أركانه، والكفر قد انهدم بنيانه، وشمّر عن ساق الهزيمة شيطانه؛ وحماة الحرب قد وقفت فى مراكزها، وكماة الهيجاء قد استعدّت لأخذ فرص النصر ومناهزها؛ والرماح قد اهتزّت شوقا الى لقائهم، والسيوف قد آلت أنها لا توافق على مقامهم، والمجانيق تزور حماهم وتلك الزيارة لشقائهم؛ وتدمّر بحجارتها عليهم تدميرا، وتريهم من بأسها يوما عبوسا قمطريرا، وتصير بهم إلى الهلاك وتعدهم جهنّم وساءت مصيرا؛ والقسىّ ترسل اليهم المنايا فى أجنحة السهام، وقد أحدقت بهم كماة الترك كأنها ظباء