للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأعلى الرقمتين قيام؛ فمن نازع بقوسه وهو لمهج الكافرين منازع، ومن متدرّع بنحره نحو المنايا يسارع، ومن وارد منهل المنيّة وآخر فى إثره كارع، ومن متدرّع وحاسر علما أن ليس لقضاء الله دافع؛ وما زادهم إلا إيمانا وتسليما، وما سلك بهم إلا صراطا مستقيما، وما اشترى أنفسهم وأموالهم إلا بالجنّة وأعدّ لهم أجرا كريما. والسلطان- عزّ نصره- قد شحذ شبوات عزمه، وفوّق سديد سهمه ليفوز بجزيل سهمه؛ وهو يرتّب عساكره، ويهيّئ ميامنه ومياسره، وينفذ أوائله ويقدّم أواخره، ويحثّ صناديده، ويثبت رعاديده؛ ويسعر همّة مساعره، ويذكى نار الحرب فى مجامره؛ ويقابل الأبراج ببروج يهدمونها، ويكل بالنّقوب نقباء يحفرونها، ويعد للمؤمنين مغانم كثيرة يأخذونها؛ ويعدّ لكل مقام رجالا، ويرتّب لكل مقاتل من المسلمين قتالا، ويبسط لهم بقتل الكافرين آمالا؛ حتى قامت الحرب على ساق، وضاق بأهل الشقاق الخناق؛ وبلغت الأرواح منهم التّراقى، ودارت عليهم كؤوس المنايا فانتشى المسقّى والساقى؛ وأحدقت بهم الجياد تصهل، وسحب القسىّ تهطل، وكواذب الآمال تعدهم وتمطل؛ وخرصوا لأنفسهم الفرج فكذّبتهم أسنّة الخرصان، ونظروا إلى الحياة بعين الطمع فكحلتهم بنات الحنيّة المرنان؛ فلما أشرب [١] العجز نفوسهم، واستوى فى الشّورى مرءوسهم ورئيسهم؛ ومنوا بالمنايا من كل جانب، وسمح كلّ منهم بالمال والذهب مذ علم أنّه ذاهب؛ وتحقّقوا أن لا ملجأ من السيف إلا إليه، ولا معوّل بعد المعوّل إلا عليه، وتيقّنوا أن لا مقام لهم ولا مقرّ، وقال الكافر يومئذ أين المفرّ. والمسلمون مثابرون على العمل الصالح يرفعونه، ومبادرون أجل عدوّهم يمزّقون منه كل ما يرقعونه؛ وإذا بصيحة كالصيحة التى تأخذهم وهم ينظرونها، أو الصعقة التى ينتظرونها، إذ أمرّت السيوف على رقابهم وهم يبصرونها؛


[١] فى الأصل: «اشراب» وهو غير واضح.