فارتجّت أرجاء الحصن بالاصطخاب، ووقع الاختلاف بينهم والاضطراب؛ وقيل:
إن الكافر قد طلب الأمان، وإنه ركب ظهر المذلّة مذ ناوله الجزع العنان، وإن الكفر قد ذلّ للإيمان، وإن شيطانه قد نكص على عقبه لما تراءت الفئتان؛ فأمسكت المجانيق عن ضربها، وكفّت الحنايا عن إرسال شهبها، وأقصرت ليوث الحرب الضارية عن وثبها. فما كان إلّا هنيهة وقد خرج رسول منهم حيث لا تنفع الرسائل، واخترق وشيج القنا وشوك النّصال وظبا المناصل، ورأى كثرة هالته فكادت تنقدّ تحت الذعر منه المفاصل، ومشى إلى السلطان خاضعا وأعيا على السّماطين يقوم كلما عوّجته الأفاكل.
وأدّى الرسالة وإذا هى كما قال أبو الطيب دروع، ورجع إلى أهله وفى قلبه من جيش الإسلام- كثره الله- صدوع.
فأقبل من أصحابه وهو مرسل ... وعاد إلى أصحابه وهو عاذل
فأبوا لنصيحته قبولا، وقالوا: قاتلك الله رسولا؛ لقد خرجت عن سنّة إخوانك، وألقيت إلى المسلمين فاضل عنانك، ولم ترقب رضا أقسّتك [١] ورهبانك.
والرعب قد خرج به عن قومه وآله، وهو يناشدهم الله فى أموالهم وأنفسهم وينشدهم بلسان حاله:
أمرتهم أمرى بمنعرج اللّوى ... فلم يستبينوا الرّشد إلا ضحى الغد
فلما استحكمت مرّة عصيانهم، وأبوا إلا مغالاة فى طغيانهم؛ ولم يسمحوا بتسليم ذلك الحصن الحصين، وقالوا: إنه على حفظ أرواحنا لقوىّ أمين؛ أرسلت عليهم من المجانيق حجارة كالمطر، إلا أنها ترمى بشرر كالقصر فتهدم قصورا كالشرر؛