للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهم: دونكم والاحتطاب، ونقل المجانيق على الخيل وعلى الرقاب؛ حتى جرّوها بأسرع من جرّ النّفس، وأجروها على الأرض سفائن وكم قالوا: السفينة لا تجرى على يبس.

وفى الحال نقلت إليها فرأوا من متوقّلها [١] من يمشى بها على رجلين ومنهم من يمشى على أربع، ووجّهت سهامها وجوهها إلى منافذها فما شوهدت منها عين إلا وكان قدّامها منها إصبع؛ وألقيت العداوة بين الحجارة من المجانيق وبين الحجارة من الأسوار، فكم نقبت ونقّبت من فلذة كبدها عن أسرار؛ وأوقدت نيران المكايد ثمّ فكم حولها من صافن ومن صافر. وكم رمتهم بشرر كالقصر فوقع الحافر كما يقال على الحافر.

وما برحت سوق أهل الإيمان فى نفاق على أهل النّفاق، وأكابرهم تساق أرواحهم الخبيثة إلى السّياق. وكان أهل عكّاء قد أنجدوهم من البحر بكلّ برّ، ورموا الإسلام بكل شرر وكل شرّ؛ فكان السهم الذى يخرج منها لا يخرج إلا مقترنا بسهام. وشرفات ذلك الثغر كالثنايا ولكنها لكثرة من بها لا تفترّ عن ابتسام؛ وما زالت جنود الإسلام كذلك، ومولانا السلطان لا ترى جماعة مقدمة ولا متقدّمة إلا وهو يرى بين أولئك.

واستمرّ ذلك من مستهلّ شهر ربيع الأول إلى يوم الثلاثاء رابع شهر ربيع الآخر، فزحف عليها فى بكرة ذلك النهار زحفا يقتحم كلّ هضبة ووهده، وكلّ صلبة وصلده، حتى أنجز الله وعده، وفتحها المسلمون مجازا وفى الحقيقة فتحها وحده. وطلعت سناجق الإسلام الصّفر على اسوارها، ودخلت عليهم من أقطارها، وجاست الكسّابة خلال ديارها؛ فاحتازها مولانا السلطان لنفسه ملكا، وما كان يكون له فى فتحها شريك وقد نفى عنها شركا؛ وكلما قيل: هذه طرابلس فتحت قال النصر بمن قتل فيها من النّجد الواصلة وأكثر عكا [٢] وأهل عكا؛ وأعاد الله قوّة الكفر بها أنكاثا،


[١] توقل فى الجبل: صعد.
[٢] كذا وردت هذه الكلمات بالأصل، وهى كما يظهر قلقة غير واضحة.