وكان أخذها من مائة سنة وثمانين سنة فى يوم ثلاثاء واستردّت فى يوم الثلاثا. ولما عمّت هذه البشائر [و] وكل بها مولانا السلطان إلى كلّ من يستجلى حسان هذه العرائس، ويستحلى نفيس هذه النفائس؛ سيّر مولانا السلطان إلى مولانا بشرى فقعقع بها البريد، لتتلى بأمر مولانا على كل من ألقى السمع وهو شهيد، وكما عمّ السرور بذلك كلّ قريب قصد أن يعمّ الهناء كل بعيد. وأصدر المملوك هذه الخدمة يتحجّب بين يدى نجواها، ويتوثّب بعد هذه المفاتحة لكلّ سانحة يحسن لدى المولى مستقرّها ومثواها. لا برح المقام يستبشر لكماة الإسلام بكل فضل وبكلّ نعمى، ويفرح لسرح الكفر إذا انتهك ولسفح الملك إذا يحمى، ولسمع الشّرك إذا يصمّ ولقلبه إذا يصمى.
وكتب المولى محيى الدين أيضا عن نفسه مطالعة إلى السلطان الملك المنصور يهنّئه بهذا الفتح:
هنّئت يا ملك البسيطه ... فتحا به النّعمى محيطه
وبقيت يا خير الملو ... ك بسيفك الدّنيا محوطه
يقبّل الأرض ويبتهل إلى دعاء صالح يقدّمه بين يدى بشره وبشراه، وكلّ مقام محمود من الإجابة يحوّله فى سرّه ونجواه؛ ويهنّىء بهذا الفتح الذى كم مضى ملك وفى قلبه منه حسره، وما ادّخر الله إلا لمولانا السلطان أجره وفخره. فالحمد لله على هذا النصر العزيز وهذا الفتح المبين، والظفر الذى أعطاه الله إيّاه فى شهر وقد أقامت جموع الكفر حتى حازت بعضه فى مدّة سبع سنين. وله الشكر على أن جعل الكفر من بعد قوة أنكاثا، وجعل أخذ مدينة طرابلس من الكفّار فى يوم الثلاثاء وكان أخذها من المسلمين فى يوم الثلاثاء؛ وله المنّة فى ردّ هذه الأخيذة، وجعلها بين يدى مولانا السلطان منبوذة. ثم المنّة لله على أن سطر فى سيرة مولانا السلطان هذه