والمواقعة فليس هذا من الزهد أصلا؛ فإن الولد مقصود لبقاء نسله، وتكثير أمّة محمد صلى الله عليه وسلم من القربات. واللذّة التى تلحق الإنسان فيما هو من ضرورة الوجود لا تضرّه إذا لم تكن هى المقصد والمطلب؛ وهذا كمن ترك أكل الخبز وشرب الماء احترازا من لذّة الأكل والشرب، وليس ذلك من الزهد فى شئ؛ لأن فى ترك ذلك فوات بدنه، فكذلك فى ترك النكاح انقطاع نسله؛ فلا يجوز أن يترك النكاح زهدا فى لذّته من غير آفة أخرى. قال: وأكثر الناس تشغلهم كثرة النسوان، فينبغى أن يترك الأصل إن كان يشغله، وإن لم يشغله وكان يخاف من أن تشغله الكثرة منهن أو جمال المرأة فلينكح واحدة غير جميلة وليراع قلبه فى ذلك. قال أبو سليمان:
الزهد فى النساء أن تختار المرأة الدّون أو اليتيمة على المرأة الجميلة والشريفة. وقال الجنيد: أحبّ للمريد المبتدى ألّا يشغل قلبه بثلاث وإلّا تغيّر حاله: التكسّب، وطلب الحديث، والتزوّج. فقد ظهر أن لذّة النكاح كلذّة الأكل والشرب، فما شغل عن الله تعالى فهو محذور فيهما جميعا.
المهم السادس: ما يكون وسيلة إلى هذه الخمسة وهو المال والجاه. [أمّا الجاه [١]] فمعناه ملك القلوب بطلب محلّ فيها ليتوصّل به إلى الاستعانة فى الأغراض والأعمال.
وكلّ من لا يقدر على القيام بنفسه فى جميع حاجاته وافتقر إلى من يخدمه افتقر إلى جاه لا محالة فى قلب خادمه؛ لأنه إن لم يكن له عنده محلّ وقدر لم يقم بخدمته. وقيام القدر والمحلّ فى القلوب هو الجاه. قال: وإنما يحتاج إلى المحلّ فى القلوب إما لجلب نفع أو لدفع ضرر أو لخلاص من ظلم. فأمّا النفع فيغنى عنه المال؛ فإنّ من بخدم بأجرة خدم وإن لم يكن عنده للمستأجر قدر، وإنما يحتاج إلى الجاه فى قلب من يخدم