بغير أجرة. وأما دفع الضرر فيحتاج لأجله إلى الجاه فى بلد لا يكمل فيه العدل أو يكون بين جيران يظلمونه فلا يقدر على دفع شرّهم إلا بمحلّ له فى قلوبهم أو محلّ له عند السلطان. وقدر الجاه فيه لا ينضبط. والخائض فى طلب الجاه سالك طريق الهلاك.
بل حق الزاهد ألّا يسعى لطلب المحل فى القلوب أصلا؛ فإن اشتغاله بالدين والعبادة يمهّد له من المحلّ فى القلوب ما يدفع به عنه الأذى ولو كان بين الكفّار فكيف بين المسلمين.
وأمّا التوهّمات والتقديرات التى تحوج [١] إلى زيادة فى الجاه على الحاصل بغير كسب فهى أوهام كاذبة؛ إذ من طلب الجاه لم يخل عن أذى فى بعض الأحوال؛ فعلاج ذلك بالاحتمال والصبر أولى من علاجه بطلب الجاه. فإذا طلب المحلّ فى القلوب لا رخصة فيه أصلا، واليسير منه داع إلى الكثير، وضراوته أشدّ من ضراوة الخمر، فليحترز من قليله وكثيره.
وأمّا المال، فهو ضرورىّ فى المعيشة أعنى القليل منه. فإن كان كسوبا، فإذا اكتسب حاجة يومه فينبغى أن يترك الكسب، هذا شرط الزهد؛ فإن جاوز ذلك إلى ما يكفيه أكثر من سنة فقد خرج عن حدّ ضعفاء الزهّاد وأقويائهم جميعا. وإن كانت له ضيعة ولم تكن له قوّة يقين فى التوكّل فأمسك منها مقدار ما يكفى ريعه لسنة واحدة فلا يخرج بهذا القدر عن الزهد بشرط أن يتصدّق بكلّ ما يفضل عن كفاية سنة؛ ولكن يكون من ضعفاء الزّهاد.
قال: وأمر المنفرد فى جميع ذلك أخف من أمر المعيل. وقد قال أبو سليمان:
لا ينبغى أن يرهق الرجل أهله إلى الزهد بل يدعوهم إليه؛ فإن أجابوا وإلّا تركهم