للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يسعد أحد إلا باتّباعها، ولا يشقى إلا بالعدول عنها؛ وأن ينصر الله تعالى بيده وقلبه ولسانه، فإنه جلّ اسمه قد تكفّل بنصر من نصره وإعزاز من أعزّه؛ وأمره أن يكسر نفسه عند الشهوات ويزعها [١] عند الجمحات، فإن النفس لأمّارة بالسوء.

ثم اعلم يا مالك أنى قد وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك فى مثل ما كنت تنظر فيه من أمر الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم. وإنما يستدلّ على الصالحين بما يجرى الله لهم على ألسن عباده. فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح. فاملك هواك وشحّ بنفسك عما لا يحلّ لك؛ فإن الشّحّ بالنفس الإنصاف منها فيما أحبّت [أ] وكرهت.

وأشعر قلبك الرحمة للرعيّة والمحبّة لهم؛ والطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم [٢] ؛ فإنهم صنفان: إما أخ فى الدّين، وإما نظير لك فى الخلق، يفرط منهم الزّلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم فى العمد والخطأ؛ فأعطهم من صفحك وعفوك مثل الذى تحبّ أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالى الأمر عليك فوقك؛ والله فوق من ولّاك؛ وقد استكفاك أمرهم [٣] وابتلاك [بهم] . فلا تنصبنّ نفسك لحرب الله، فإنه لا قوّة لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته. ولا تندمنّ على عفو، ولا تبجحنّ [٤] بعقوبة، ولا تسرعنّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة، ولا تقولنّ: إنى مؤمّر امر فأطاع، فإن ذلك إدغال فى القلب ومنهكة للدّين وتقرّب من الغير. فإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبّهة أو مخيلة، فانظر إلى عظم ملك الله تعالى فوقك وقدرته [منك] على ما لا تقدر عليه من نفسك [٥] ، فإن ذلك يطامن إليك من


[١] كذا فى نهج البلاغة وفى الأصل: «وينزعها ... » .
[٢] كذا فى نهج البلاغة وفى الأصل: «وتغتنم أكلها» .
[٣] كذا فى نهج البلاغة وفى الأصل: «استكفاك أمره» .
[٤] بجح: كفرح لفظا ومعنى.
[٥] فى الأصل: « ... وقدرته على ما لا يقدر عليك من نفسه» ولعل فيه تحريفا جعله غير واضح، وما وضعناه عن نهج البلاغة.