طماحك، ويكفّ عنك من غربك ويفىء إليك بما عزب عنك من عقلك. وإياك ومساماة [١] الله فى عظمته والتشبّه به فى جبروته، فإن الله يذلّ كلّ جبّار ويهين كلّ مختال. أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصّة أهلك وممن لك فيه هوى من رعيّتك، فإنك إلّا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجّته وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب. وليس شىء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم [فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد] . وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها فى الحق وأعمّها فى العدل وأجمعها لرضا الرعيّة، فإنّ سخط العامة يجحف برضا الخاصّة، وإن سخط الخاصة يغتفر برضا العامة. وليس أحد من الرعيّة أثقل على الوالى مؤنة فى الرخاء، وأقلّ معونة فى البلاء، وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف، وأقلّ شكرا عند الإعطاء، وأبطأ عذرا عند المنع، وأضعف صبرا عند ملمّات الدهر من أهل الخاصة، وإن عمود الدين وجماع المسلمين والعدّة للأعداء العامّة من الأمة؛ فليكن صغوك لهم وميلك معهم.
وليكن أبعد رعيّتك منك وأشنؤهم عندك أطلبهم لعيوب الناس، فإن فى الناس عيوبا الوالى أحقّ بسترها، فلا تكشفنّ عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله حكم على ما غاب عنك منها. فاستر العورة ما استطعت يستر الله ما تحبّ ستره من عيبك. أطلق عن الناس عقدة كلّ حقد، واقطع عنهم سبب كل وتر، وتغاب عن كل ما لا يصحّ لك. ولا تعجلنّ إلى تصديق ساع، فإن الساعى غاشّ وإن تشبّه بالناصحين. ولا تدخلنّ فى مشورتك بخيلا فيعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا فيضعفك عن الأمور، ولا حريصا فيزيّن لك الشره بالجور؛ فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظنّ بالله. واعلم أن شرّ وزرائك من كان
[١] فى الأصل: «مساومة الله» وما هنا عن نهج البلاغة.