للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكفّ عنهم ويقطعهم العسف بهم. وأما الإقدام على دفع المضارّ فضربان: أحدهما.

دفع ما اختلّ من الملك. وله سببان: إهمال أو عجز. والثانى دفع ما نقص من الموادّ.

وله سببان: نفور أو جور. فيحتاج الوزير أن يدفع ضرر كلّ واحد منهما بالضدّ [من سببه، فإن علاج كل داء بضده [١]] من الدواء. فإن كان اختلال الملك من الإهمال أيقظ له عزمه، وإن كان من العجز استعمل فيه حزمه. وإن كان نقص الموادّ من النفور استنجد فيه رهبته، وإن كان من الجور أظهر فيه معدلته. فإن كان حدوث ذلك فى الملك صدر عن الوزير كان مؤاخذا بتفريطه فى الابتداء، ومستدركا لتقصيره فى الانتهاء؛ فيجبر إساءته بإحسانه، ويمحو قبيحه بجميله. وإن كان حدوثه من غيره كانت جريرة الإساءة على من أحدثه، وكان حمد الإحسان للوزير.

وأما الشرط الرابع من شروط وزارة التفويض وهو الحذر- فيتعيّن على الوزير أن يكون حذرا، لأنّ الدهر ثائر بطوارقه، ومنافر بنوائبه، يغدر إن وفى، ويفتك إن هفا. قال عبد الحميد: أصاب الدنيا من حذرها، وأصابت الدنيا من أمنها. وقال عبد الملك بن مروان: احذروا الجديدين، فللأقدار أوقات تغضى عنها الأبصار. فإذا صادفت طوارق الدهر غرّا مسترسلا صار هدفا لسهامه الصوائب، وغرضا لمنافرة الحوادث والنوائب. وقد قال بعض الحكماء: من أعرض عن الحذر والاحتراس، وبنى أمره على غير أساس، زال عنه العزّ واستولى عليه العجز؛ وإن قدّم لطوارقه حذر المتيقّظ، وتلقّاها بعدّة المتحفّظ، ردّ بادرتها بعزم ذى حزم قد حلب أشطر دهره، وقام بواضح عذره. قال بعض الشعراء:

إنّ للدهر صولة فاحذرنها ... لا تبيتنّ قد أمنت الدّهورا


[١] التكملة عن «قوانين الوزارة» .