للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم هو بعد حذره مستسلم لقضاء لا يردّ؛ وقدر لا يصدّ.

وقد روى عن أبى الدّرداء رضى الله عنه عن رسول الله عليه وسلم أنه قال: «احذروا الدنيا فإنّها أسحر من هاروت وماروت»

. وقيل لبعض الحكماء: من السعيد؟ قال: من اعتبر بأمسه، واستظهر لنفسه. قال بعض الشعراء:

وحذرت من أمر فمرّ بجانبى ... لم يبكنى ولقيت ما لم أحذر

وللحذر حدّ يقف عنده إن زاد [عليه [١]] صار خورا، كما أن للإقدام حدّا إن زاد عليه صار تهوّرا. والزيادة على الحدود، نقص فى المحدود. ولهما زمان إن خرجا عنه صار الحذر فشلا، والإقدام خرقا. وعيارهما معتبر بحزم العاقل ويقظة الفطن. قال بعض الحكماء: ليعرفك السلطان عند افتتاح التدبير بالحذر، وعند وقوع الأمر بالجدّ.

والحذر يلزم من أربعة أوجه: أحدها الحذر من الله تعالى فيما فرض. والثانى [الحذر [٢]] من السلطان فيما فوّض. والثالث الحذر من الزمان فيما اعترض. والرابع الحذر من [غلبة [٣]] الأعداء ومكر الدّهاة.

فأما الحذر من الله تعالى- فهو عماد الدّين الباعث على الطاعة. والحذر منه هو الوقوف عند أوامره، والانتهاء عن زواجره؛ فيعمل بطاعته فيما أمر، وينتهى عن معصيته فيما حظر. فلن يرى قليل الحذر إلا متجوّزا فى دينه طائحا فى غلوائه، لا يرى رشدا فى العاجل، وهو على وعيد فى الآجل؛ مع نفور النفوس منه وسراية الذّم فيه.

وقد قيل فى بعض الصحف الأولى: العزّة والقوّة يعظمان القلب، وأفضل منهما خوف الله تعالى؛ لأن من لزم خشية الله لم يخف الوضيعة ولم يحتج إلى ناصر.

وقال علىّ رضى الله عنه: من حاول أمرا بمعصية الله كان أبعد لما رجا، وأقرب لمجىء ما اتّقى.


[١] زيادة عن «قوانين الوزارة» .
[٢] زيادة عن «قوانين الوزارة» .
[٣] زيادة عن «قوانين الوزارة» .