للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الحذر من السلطان، فهو وثّاب بقدرته، متحكّم بسطوته، يميل به الهوى فيقطع بالظنّ ويؤاخذ بالارتياب؛ فالثقة به عجز، والاسترسال معه خطر. والحذر منه فى حالتى السّخط والرضا أسلم؛ لأنّه يستذنب إذا ملّ حتى يصير المحسن عنده كالمسىء. فليستخلص [١] رأيه بالنصح، ويستدفع تنكّره بالحذر. وقال بعض الحكماء:

اصحب السلطان بثلاث: الحذر، ورفض الدولة، والاجتهاد فى النصح. والحذر منه يكون بثلاثة أمور: أحدها ألّا يعوّل على الثقة به فى الإدلال والاسترسال، فما جرّت الثقة إلا ندما. وقد قيل: الخرق الدالّة على السلطان، والوثبة قبل الإمكان.

[فاقبض نفسك إذا قدّمك، وتواضع له إذا عظّمك، واحتشمه [٢] إذا آنسك، ولن له إذا خاشنك، واصبر على تجنّيه [إذا غالظك [٣]] ؛ فهو على التّجنى أقدر، فكن على احتماله أصبر؛ فربّما كانت مجاملته لك مكرا، وتجنّيه عليك غدرا [٤]] . فقد قيل فى بعض الصحف الأولى: حبّ الملك وهواه يشبه الطّلّ على العشب. فلا تجعل له فى إظهار تنكّره عذرا؛ فربما اعترف بالحق فوفّى، ورقّ بالصبر فكفّ. وقد قيل فى أمثال كليلة ودمنة: صاحب السلطان كراكب الأسد يخافه الناس وهو لمركوبه أشدّ خوفا.

والثانى من حذره منه أن يساعده على مطالبه، ويوافقه على محابّه [ومآربه [٥]] ، ولا يصدّه عن غرض إذا لم يقدح فى دين ولا عرض، ولا يتوقّف عن إجابته


[١] فى الأصل: «فيستخلص ... » والسياق يقتضى الأمر كما فى «قوانين الوزارة» .
[٢] ورد فى الأساس: «أنا أحتشمك منك أى أستحيى» وفى اللسان وشرح القاموس أحتشم منه وعنه ولا يقال: احتشمه. فعبارة الأصل هاهنا صحيحة على ما فى الأساس.
[٣] زيادة عن «قوانين الوزارة» .
[٤]- هذه الجملة التى بين القوسين المربعين نقلها صاحب الأصل عن قوانين الوزارة من غير تغيير فى الضمائر، وعادته فى النقل عنه أن يغير الضمير من الخطاب الى الغيبة، لأن قوانين الوزارة يوجه الكلام لمخاطب، والأصل هنا يوجهه لغائب، كما هو واضح.
[٥] زيادة عن «قوانين الوزارة» .