للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يلجئه أن يباشر دفع الخوف والحذر، فيلجئه إلى ما هو أخوف وأحذر؛ لأن الوزير يخاف الملك ويخاف ما يخافه، فيتوالى عليه خوفان، ويتمالأ عليه خطران.

قال شاعر:

إنّ البلاء يطاق غير مضاعف ... فإذا تضاعف صار غير مطاق

وأما حذره من زمانه، فلأنّه يتقلّب بألوانه، ويخشن بعد ليانه، فيسلب ما أعطى ويفرّق ما جمع.

وقد روى عن أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنظروا دور من تسكنون وأرض من تزرعون وفى طرق من تمشون»

. وقال بعض الحكماء: الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها. وقال بعض البلغاء: إن الدنيا تقبل إقبال الطالب، وتدبر إدبار الهارب؛ لا تبقى على حالة، ولا تخلو من استحالة؛ تصلح جانبا بإفساد جانب، وتسرّ صاحبا بمساءة صاحب؛ فالكون فيها على خطر، والثّقة بها على غرر. وقال قيس بن الخطيم:

ومن عادة الأيّام أنّ خطوبها ... إذا سرّ منها جانب ساء جانب

[والحذر [١]] من الزمان يكون من أربعة أوجه:

أحدها: ألّا يثق بمساعدته، ولا يركن إلى مياسرته، فيغفل عن الحذر والاستعداد، فربّما انعكس فافترس، وغافص [٢] فاختلس. وقد قيل: للدهر صروف، لست عنها بمصروف. قال أبو العتاهية:

إنّ الزمان وإن ألا ... ن لأهله لمخاشن

فخطوبه [٣] المتحرّكا ... ت كأنّهنّ سواكن


[١] فى الأصل بياض، والتكملة عن «قوانين الوزارة» .
[٢] غافصه: فاجأه وأخذه على غرّة منه.
[٣] كذا فى «قوانين الوزارة» . وفى الأصل: «بخطوبه» .