للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانى: أن ينتهز فرصة مكنته [١] بفعل الجميل، وغرس الصنائع، وإسداء العوارف؛ ليكون ذلك ذخيرة له فى النوائب، وخلفا فى العواقب؛ ولا يلهيه استكفاؤه عن الاستظهار، ولا يمنعه استغناؤه عن الاستكثار. فقد قيل: المرء ابن يومه، فلينتبه من نومه.

وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحّتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك»

. قال سعيد بن سلم:

إنّما الدنيا هبات ... وعوار مستردّه

شدّة بعد رخاء ... ورخاء بعد شدّه

والثالث: أن يكفّ نفسه عن القبيح ويقبض يده عن الإساءة، ليكفى رصد التّرات، وغوائل الهفوات؛ فيأمن من وجله، ويسلم من زلله؛ ولا يتطاول بالقدرة فيغفل وهو مطلوب، ويأمن وهو مسلوب.

والرابع: أن يستعدّ لآخرته، ويستظهر لمعاده، ولا يغترّ بالأمل فيخونه الفوت، ولا تلهيه الدنيا فتصدّه عن الآخرة. فقلّ من لا بسها فسلم من تبعاتها؛ لهفوات غرورها، [وعواقب [٢] شرورها] .

روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا عجبا كل العجب للمصدّق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور»

. وقيل فى منثور الحكم:

طلاق الدنيا مهر الجنّة.

وأما حذره من أهل الزمان- فلأن الإنسان محسود بالنعمة، مغبوط بالسلامة. والناس على أربعة أطوار متباينة:


[١] المكنة بفتح فكسر: التمكن.
[٢] زيادة عن «قوانين الوزارة» .