للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه فتقوّيه وتجعله مثالا تحتذيه، أو نالك فيها زلل فتستدرك منه ما أمكن، وتنتهى عن مثله فى المستقبل. فقد قيل: من فكّر أبصر. وقال بعض البلغاء: من لم يكن له من نفسه واعظ، لم تنفعه المواعظ.

اخفض جناحك لمن علا، ووطّئ كنفك لمن دنا، وتجاف [عن [١]] الكبر تملك من القلوب مودّتها، ومن النفوس مساعدتها. فقد قيل لحكيم الروم: من أضيق الناس طريقا، وأقلّهم صديقا؟ قال: من عاشر الناس بعبوس وجهه، واستطال عليهم بنفسه. ولذلك قيل: التواضع فى الشرف، أشرف من الشرف.

كن شكورا فى النعمة، صبورا فى الشدّة، لا تبطرك السراء، ولا تدهشك الضراء؛ لنتكافأ أحوالك، وتعتدل خصالك؛ فتسلم من طيش البطر وحيرة الدّهش. فقد قال بعض الحكماء: اشتغل بشكر النعمة عن البطر بها. وقيل فى أمثال الهند: العاقل لا يبطر بمنزلة أصابها ولا شرف وإن عظم، كالجبل الذى لا يتزلزل وإن اشتدّت الرياح، والسخيف تبطره أدنى منزلة كالحشيش الذى تحرّكه أدنى ريح.

استدم مودّة وليّك بالإحسان [إليه [٢]] ، واستسلّ سخيمة عدوّك بعد الاحتراز منه، وداهن من يجاهرك بعداوتك. فقد قيل لبعض الحكماء: ما الحزم؟ قال: مداجاة الأعداء، ومؤاخاة الأكفاء. ولا تعوّل على التهم والظنون [واطّرح الشك باليقين [٣]] .

فقد قيل: لا يفسدك الظن على صديق قد أصلحك اليقين له. قال شاعر:

إذا أنت لم تبرح تظنّ وتقتضى ... على الظن أردتك الظنون الكواذب

واختبر من اشتبهت حاله عليك، لتعلم معتقده فيك، فتدرى أين تضعه منك؛ فإن الألسن لا تصدق عن القلوب؛ لما يتصنّعه المداجى ويتكلّفه المداهن. وشهادات


[١] زيادة عن «قوانين الوزارة» .
[٢] زيادة عن «قوانين الوزارة» .
[٣] زيادة عن «قوانين الوزارة» .