للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القلوب أصدق، ودلائل النفوس أوثق. فإن وقفت بك الحال على الارتياب، اعتقدت المودّة فى ظاهره، وأخذت بالحزم فى باطنه. وإذا أقنعك الإغضاء عن الاختبار فلا تتخطّه، فأكثر الأمور تمشى على التغافل والإغضاء. فقد قال أكثم بن صيفىّ:

من تشدّد نفرّ، ومن تراخى تألّف، والسّرو [١] فى التغافل. ولقلما جوهر المغضى وقوطع المتغافل، مع انعطاف القلوب عليه، وميل النفوس إليه. وهذا من أسباب السعادة وحسن التوفيق.

شاور فى أمورك من تثق منه بثلاث خصال: صواب الرأى، وخلوص النية، وكتمان السرّ. فلا عار عليك أن تستشير من هو دونك إذا كان بالشورى خبيرا؛ فإن لكل ذى عقل ذخيرة من الرأى وحظّا من الصواب، فتزداد برأى غيرك [وإن كان رأيك [٢]] جزلا، كما يزداد البحر بموادّه من الأنهار وإن كان غزيرا. وقد يفضل المستشير على المشير؛ ويظفر المشير بالرأى، لأنها ضالّة يظفر بها من وجدها من فاضل ومفضول. وعوّل على استشارة من جرّب الأمور وخبرها، وتقلّب فيها وباشرها، حتى عرف مواردها ومصادرها، فلن يخفى عليه خيرها وشرها، ما لم يوهنه ضعف الهرم.

واعدل عن استشارة من قصد موافقتك متابعة لهواك، أو اعتمد مخالفتك انحرافا عنك، وعوّل على من توخّى الحق لك وعليك. فقد قيل فى قديم الحكم: من التمس الرّخص من الإخوان فى الرأى، ومن الأطبّاء فى المرض، ومن الفقهاء فى الشّبه، أخطأ الرأى، وزاد فى المرض، واحتمل الوزر. ولا تؤاخذ من استشرت بدرك [٣] الرأى


[١] فى الأصل «والسرور فى التغافل» وفى «كتاب التاج فى أخلاق الملوك» طبع المطبعة الأميرية ص ٥٧ و ١٠٣: «السر والتغافل» فكلمة «السرور» فى الأصل محرفة عن السرو. والسرو: السخاء فى مروءة.
[٢] التكملة عن قوانين الوزارة.
[٣] الدرك: التبعة.