للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يغضب!» . وقال بعض البلغاء: من أظهر شكرك فيما لم تأت إليه فاحذره أن يكفر نعمك فيما أسديت إليه. ففوّض مدحك إلى أفعالك، فإنها تمدحك بصدق إن أحسنت، وتذمّك بحقّ إن أسأت. ولا تغترّ بمخادعة اللسان الكذوب. فقد قيل: أبصر الناس من أحاط بذنوبه، ووقف على عيوبه. وكتب حكيم الروم إلى الإسكندر: لا ترغب فى الكرامة التى تنالها من الناس كرها، ولكن فى التى تستحقّها بحسن الأثر وصواب التدبير.

اعتمد بنظرك إحماد سلطانك وشكر رعيتك، تكن أيّامك سعيدة، وأفعالك محمودة، والناس بك مسرورين، ولك أعوانا مساعدين؛ ويبقى بعدك [فى الدنيا [١]] جميل أثرك، وفى الآخرة جزيل أجرك. واستعذ بالله من صدّها فتعدل بك إلى ضدّها، فإن الولايات كالمحكّ تظهر جواهر أربابها، فمنهم نازل مرذول ومنهم صاعد مقبول.

فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أحسنوا جوار نعم الله فقلما زالت عن قوم فعادت إليهم»

. وتعرّض رجل ليحيى بن خالد وهو على الجسر بكتاب وسأله أن يختمه؛ فقال: يا غلام اختم كتابه ما دام الطين رطبا، ثم أنشد:

إذا هبّت رياحك فاغتنمها ... وجد فلكلّ [٢] خافقة سكون

ولا تغفل عن الإحسان فيها ... فما تدرى السكون متى يكون

إذا نلت من سلطانك حظّا، وأوجبت عليه بخدمتك حقّا، فلا تستوفه، ودع لنفسك بقيّة يدّخرها لك ويراها حقا من حقوقك، ويكون كفيل أدائها إليك. فإن استوفيتها برئ وصرت إلى غاية ليس بعدها إلا النقصان. قال الشاعر:

إذا تمّ أمر بدا نقصه ... توقّع زوالا إذا قيل تمّ


[١] زيادة من قوانين الوزارة.
[٢] فى قوانين الوزارة: «فإن لكل ... » .