الطّوفانىّ، أوجبت على كل بليغ أن يتلو، «ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلّا أمانىّ» وبالجملة فالواجب على كلّ عاقل ألّا يتعاطى ما لم يعطه، وأن يدخل باب مجلس سيّدنا ويقول حطّه؛ فأما ما أفاض فيه من سكون الأحوال بتلك البلاغة فقد كدت أسكر لما استخرجته من تلك المحاسن التى لو أن الزمان الأصم يسمع لأسمعته، ولو أن الحظّ الأشم يخضع لأخضعته؛ وبالجملة فإنه لا يشنأ زمن أبقى من سيّدنا نعمة البقيّة التى مهما وجدت فالخير كلّه موجود، والمجد بحفيظته مشهود؛ وكما تيسّرت راحة جسمه، فينبغى أن يقتدى به قلبه فى راحة من همّه؛ وأعراض الدنيا متاع المتاعب، وقد رفع الله قدره، وإلا فهذه الدنيا وهدة إليها مصاب المصائب؛ والحال التى هو الآن عليها عاكف [إلا «١» ] من علم يدرسه، وأدب يقتبسه، وحريم عقائل يذبّ عنه ويحرسه؛ هى خير الأحوال، فالواجب الشكر لواهبها، والمسرّة بالإفضاء إلى عواقبها؛ وما ينقص شىء من المقسوم، وإن زاد عند المجلس فليس من حظّه، ولكن من حظّ السائل والمحروم؛ فلا يسمح المجلس بكتاب من كتبه على يد من الأيدى التى لا تؤدّى، ولا يؤمن أن تكون أناملها حروف التعدّى، وهى إحدى ما تعلّقت به الشهوات من اللذّات، وهو ينعم بها على عادته فى كفّ ضراوة القلب ودفع عاديته؛ موفّقا إن شاء الله تعالى.
وكتب إلى القاضى محى الدين بن الزكىّ أيضا: كان كتابى تقدّم الى المجلس السامى- أدام الله نفاذ أمره، وعلو قدره، وراحة سرّه ونعمة يسره؛ وأجراه على أفضل ما عوّده، وأسعد جدّه وأصعده، وأحضره أمثال العام المقبل وأشهده؛ ولا زال يلبس الأيّام ويخلعها، ويستقبل الأهلّة ويودّعها