وكم ذاب القلب حسره، وتفتّتت الكبد فى تلك الفتره؛ على خلوة أبثّ فيها حزنى، وأفسح فيها المجال الذى ضاق به عطنى؛ فلم أظفر بخلوة فى لمحة بصر، ولا فزت بذكر كلمة أفرّج بها ما عرض من حصر
تعرّضت من شوق إليه فأعرضا ... ولولا الهوى لم أمنح الحبّ مبغضا
وبحت إليه أنّ عندى رياضة «١» ... عليه وما تلك الرّياضة عن رضا
قضى حبّه أنّى إذا عزّ فى الهوى ... أذلّ وإنى قد رضيت بما قضى
لقلبى من عينيه سقم وصحّة ... فكم مرّة فى الحبّ داوى وأمرضا
مضى لى به عيش بكيت لفقده ... وهيهات أن يرتدّ عيش إذا مضى
وبليت «٢» برقيب قد سلب الله من قلبه الإيمان، وسلّطه علىّ بغلظ الطباع وفظاظة اللسان؛ كأنه شيطان لا بل هو بعينه، لكنّه أربى عليه فى بهتانه ومينه؛ يحاقّ «٣» على الكلمة الواحده، ولا يسمح بأن طرفى يمتدّ إلى تلك المحاسن التى غدت القلوب بها واجده؛ يودّ لو غطّى على بصرى، ويبدلنى مغيبى من محضرى؛ لا يفتر عن اللّوم والعذل، ولا يرى أن يقضى ساعاته إلّا فى بذل الحيل؛ يرغب فى شتات شملى، وانقطاع وصلى؛ وليس لى فى دفعه حيله، ولا فى الانتقام منه وسيله؛ وما زال حتى أحال الحبيب عن وداده، وكدر ما صفا من حسن ظنّه واعتقاده؛ وأنا أروض نفسا كادت تذوب، وأتسلّى بأيام وصاله وأقول: لعلها ترجع وتؤوب
لئن ذقت مرّ الصبر أو ملح أدمعى ... لقد أعذبت تلك المذاقات منهلى