للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأشجار. وأقام على أعالى الجبال سحرة يقسمون الرياح ويمنعون من يقصدهم ويقصد بلادهم بأذّى، وكذلك كلّ مفسد من طائر وسبع ووحش وهوامّ، وأجرى أمر البلاد والناس على سداد، وجعل فى كلّ صنف من الناس صنفا من الكهنة يعلّمونهم الدين، ودينهم يومئذ الصابئة الأولى. ويرفع كلّ صنف منهم ما يجرى من أمر ما يتولّونه الى الملك فى كلّ يوم. وعمل البيت ذا القباب النوريّة الثلاث، وأوقد فيه النار الدائمة تعظيما للنور. والقبط تزعم أنه أوّل من وضع بيتا لتعظيم النار.

وقيل: إن جم الفارسىّ إنما بنى بيت النار- وهو أوّل من عمل ذلك للفرس- اقتداء بسهلوق مصر. وكان السبب فى عمل سهلوق بيت النار أنه رأى أباه فى نومه يقول له: انطلق الى جبل كذا من جبال مصر فإنّ فيه كوّة من صفتها كذا وكذا، وإنك واجد على باب الكوّة أفعى لها رأسان، وإنها اذا رأتك كشّت فى وجهك، فليكن معك طيران صغيران، فإذا رأيت الأفعى فاذبحهما لها وألقهما إليها، فإنه يأخذ كلّ رأس من رأسيها أحد الطيرين وتتنحّى الى سرب قريب من الكوّة فتدخله، فإذا غابت عنك فادخل الكوّة فإنك تنتهى الى «١» آخرها الى صورة امرأة جميلة الخلق، وهى من نور حارّ يابس، وسوف يقع عليك وهجها وتحسّ بحرارة شديدة، فلا تقرب منها فتحترق، وقف وسلّم عليها فإنها تخاطبك فاسكن الى خطابها، وانظر ما تقوله لك فاعمل به، فإنك تشرف بذلك. وهى حافظة كنوز جدّك مصرام التى رفعها الى مدائن العجائب المعلّقة وهى تدلّك عليها. وتنال مع ذلك شرفا فى بلدك وطاعة فى قومك، ثم مضى وتركه.

فلمّا انتبه سهلوق جعل يفكّر فيما رأى ويتعجّب منه، ورأى أن ينفّذ ما أخبره به أبوه، فمضى الى الجبل وحمل الطيرين معه وفعل جميع ما أمره أبوه الى أن وقف حذاء المرأة وسلّم عليها، فقالت له: أتعرفنى؟ قال: لا، لأنّى ما رأيتك قبل وقتى هذا.