رجالهم، وسبى ذراريّهم، فقال له: إنّ وجعك وما بليت به من هذا. اعلم أن صاحب هذا البيت قوىّ يعلم الأسرار، فبادر وأخرج من قلبك ما هممت به من أذى هذا البيت ولك خير الدنيا والآخرة، قال الملك: أفعل، قد أخرجت من قلبى جميع المكروهات، ونويت جميع الخيرات، فلم يخرج العالم من عنده حتى برئ من علّته، وعافاه الله بقدرته، فآمن بالله من ساعته، وخرج من منزله صحيحا على دين إبراهيم عليه السلام، وخلع على الكعبة سبعة أثواب، وهو أوّل من كسا الكعبة، ودعا أهل مكة، وأمرهم بحفظ الكعبة، وخرج إلى يثرب، وهى يومئذ بقعة فيها عين ماء ليس فيها بيت مبنىّ ولا بناء، فنزل على رأس العين هو وعسكره وجميع العلماء الذين كانوا معه، ومعهم رئيسهم عماريشا الذى كان يرى برأيه.
ثم إن العلماء والحكماء اجتمعوا، وكانوا أربعة آلاف، فأخرجوا من بينهم أربعمائة هم أعلمهم، وبايع كلّ واحد منهم صاحبه أن لا يخرجوا من ذلك المقام وإن ضربهم الملك أو قتلهم، فلما علم الملك ما قد عزموا عليه، قال للوزير: ما شأنهم يمتنعون عن الخروج معى، وأنا محتاج إليهم؟ وأىّ حكمة فى نزولهم فى هذا المكان، واختيارهم إياه على سائر النّواحى، فلما أتاهم الوزير وسألهم عما عزموا عليه، واختيارهم المقام بهذه البقعة، قالوا له: أيها الوزر! إن شرف ذلك البيت، وشرف هذه البقعة التى نحن فيها بشرف رجل يبعث فى آخر الزمان، يقال له محمد ووصفوه، ثم قالوا: طوبى لمن أدركه وآمن به، وقد كنا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا، فلما سمع الوزير مقالتهم همّ بالمقام معهم، فلما جاء وقت الرحيل أمرهم الملك أن يرتحلوا، فقالوا: لا نفعل، وقد أعلمنا الوزير بحكمة مقامنا، فدعا الوزير فأخبره بما سمع منهم، فتفكّر الملك وهمّ أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمدا صلى الله عليه وسلم، فأقام وأمر الناس أن يبنوا أربعمائة دار، لكل رجل من العلماء