للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تشغيب «١» للمعادى حينئذ أشدّ من هذه الحادثة لو أمكنت؛ فما روى عن معاند فيها كلمة، ولا عن مسلم بسببها بنت شفة؛ فدل على بطلها، واجتثاث أصلها.

قال القاضى عياض: ولا شك فى إدخال بعض شياطين الإنس أو الجن هذا الحديث على بعض مغفّلى المحدّثين، ليلبّس به على ضعفاء المسلمين.

ووجه رابع، ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت: (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ)

الآيتين، وهاتان الآيتان ترددان الخبر الذى رووه، لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفترى، وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم؛ فمضمونه هذا.

ومفهومه أن الله عصمه من أن يفترى، وثبّته حتى لم يركن إليهم قليلا، فكيف كثيرا! وهم يروون فى أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم، وأنه قال عليه السلام: «افتريت على الله وقلت ما لم يقل» ؛ وهذا ضد مفهوم الآية، وهى تضعّف الحديث لو صح، فكيف ولا صحة له!، وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: كل ما فى القرآن كاد فهو ما لا يكون، قال الله تعالى:

(يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ)

«٢» ، ولم يذهب. قال القاضى القشيرىّ «٣» : ولقد طالبه قريش وثقيف إذ مرّ بآلهتهم أن يقبل بوجهه إليها، ووعدوه الإيمان به إن فعل، فما فعل ولا كان ليفعل صلى الله عليه وسلم.

وأما المأخذ الثانى- وهو مبنىّ على تسليم الحديث لو صحّ، وقد أعاذنا الله من صحته- فقد أجاب على ذلك أئمة المسلمين بأجوبة ذكرها القاضى عياض «٤» وضعّف بعضها، واستحسن بعضا، نذكر منها ما استحسنه وجوّزه إن شاء الله.