مسكن للتخيّل، وهو في مقدّم الرأس؛ ومسكن للفكر، وهو في وسطه؛ ومسكن للذّكر، وهو في مؤخّره.
ولا يسمى عاشقا إلا من إذا فارق معشوقه لم يخل من تخيله فيمتنع من الطعام والشراب باشتغال الكبد، ومن النوم باشتغال الدماغ بالتخيل والفكر والذكر فيكون جميع مساكن النفس قد اشتغلت به.
وقال الجاحظ: ذكر لى عن بعض حكماء الهند أنه قال: إذا ظهر العشق عندنا فى رجل أو امرأة، غدونا على أهله بالتعزية.
قال: وبلغنى أن عاشقا مات بالهند عشقا، فبعث ملك الهند إلى المعشوق فقتله به.
وقال الربعى: سمعت أعرابية تقول: مسكين العاشق! كل شىء عدوّه! هبوب الريح يقلقه، ولمعان البرق يؤرّقه، ورسوم الديار تحرقه، والعذل يؤلمه، والتذكّر يسقمه، والبعد والقرب يهيجه، والليل يضاعف بلاءه، والرقاد يهرب منه. ولقد تداويت بالقرب والبعد فلم ينجع فيه دواء، ولا عزّ بى عزاء.
وقال شاعر:
وقد زعموا أنّ المحبّ إذا دنا ... يملّ، وأن النّأى يشفى من الوجد!
بكلّ تداوينا، فلم يشف ما بنا! ... على أنّ قرب الدار خير من البعد!
وأنشد المارستانىّ:
إذا قربت دار كلفت، وإن نأت ... أسفت! فلا بالقرب أسلو ولا البعد!