إذا بيت معتزل عن البيوت، وإذا في كسر البيت شابّ مغمى عليه، وعند رأسه عجوز لها بقيّة من جمال، وهى ساهية تنظر إلى وجه الفتى. فسلمت فردّت السلام. فسألتها عن ضالّتى فلم يك عندها منها علم. فقلت: أيتها العجوز، من هذا الفتى؟ قالت:
ابنى، ثم قالت: هل لك في أجر لا مؤنة فيه؟ فقلت: والله إنى لأحبّ الأجرو إن رزئت! فقالت: إن ابنى هذا يهوى ابنة عمّ له علقها وهما صغيران. فلما كبر حجبت عنه، فأخذه شبيه بالجنون. ثم خطبها إلى أبيها فامتنع من تزويجه، وخطبها غيره فزوّجها إياه. فنحل جسم ولدى واصفرّ لونه وذهل عقله. فلما كان منذ خمس، زفّت إلى زوجها، فهو كما ترى: لا يأكل ولا يشرب، مغمى عليه. فلو نزلت إليه فوعظته! قال: فنزلت إليه فلم أدع شيئا من الموعظة إلا وعظته به حتّى أن قلت له فيما قلت:
إنهنّ الغوانى صاجبات يوسف، ناقضات العهد، وقد قال فيهن كثيّر عزّة:
هل وصل عزّة إلا وصل غانية ... فى وصل غانية من وصلها خلف؟
قال: فرفع رأسه، محمرة عيناه كالمغضب، وقال: لست ككثيّر عزة! إنّ كثيّرا رجل مائق، وأنا رجل وامق! ولكننى كأخى تميم حيث يقول:
ألا لا يضير الحبّ ما كان ظاهرا، ... ولكنّ ما اختاف الفؤاد يضير!
ألا قاتل الله الهوى كيف قادنى ... كما قيد مغلول اليدين أسير!
فقلت له: فإنه قد جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابه بى» .
فأنشأ يقول:
ألا ما للمليحة لا تعود؟ ... أبخل بالمليحة أم صدود؟
مرضت فعادنى أهلى جميعا ... فما لك لا نرى فيمن يعود!