ثم شهقت شهقة وخرّت مغشيّا عليها، وخرج النساء من البيوت واضطربت ساعة وماتت. فو الله ما برحت حتّى دفنتهما جميعا.
وروى الساجى عن الأصمعىّ قال: رأيت بالبادية رجلا قددق عظمه، وضؤل جسمه، ورق جلده. فتعجبت ودنوت منه أسأله عن حاله. فقالوا: اذكر له شيئا من الشعر يكلمك، فقلت:
سبق الفضاء بأنّنى لك عاشق ... حتّى الممات، فأين منك مذاهبى؟
فشهق شهقة ظننت أن روحه قد فارقته، ثم أنشأ يقول:
أخلو بذكرك لا أريد محدّثا، ... وكفى بذكرك سامرا وسرورا!
قال: فقلت له: أخبرنى عنك! قال: إن كنت تريد علم ذلك فاحملنى وألقنى على باب تلك الخيمة! ففعلت، فأنشأ يقول بصوت ضعيف يرفعه:
ألا ما للمليحة لا تعود ... أبخل بالمليحة أم صدود؟
فلو كنت المريضة كنت أسعى ... إليك ولم ينهنهنى الوعيد!
فإذا جارية مثل القمر، قد خرجت فألقت نفسها عليه فاعتنقا. وطال ذلك، فسترتهما بثوبى خشية أن يراهما الناس. فلما خفت عليهما الفضيحة، فرّقت بينهما، فإذا هما ميتان. فما برحت حتّى صليت عليهما ودفنا. فسألت عنهما، فقيل لى:
عامر بن غالب، وجميلة بنت أميل المزنيّان.
وروى ابن الجوزىّ بسند يرفعه إلى محمد بن خلف قال: ذكر بعض الرواة عن العمرىّ قال: كان أبو عبد الله الجيشانىّ يعشق صفراء العلاقمية. وكانت سوداء، فاشتكى من حبها، وضنبى حتّى صار إلى حدّ الموت. فقال بعض أهله لمولاها: لو وجهت